للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمشركون ينظرون على صفوفهم وهم يرون أنهم ظاهرون، فدنا الناس بعضهم من بعض.

وقال عكرمة: قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن تُطِعْ قريش صاحب الجمل الأحمر رشَدوا" يعني: عتبة، لأنه قال: يا معشر قريش، لا تقاتلوا هؤلاء، فإنكم إنْ فعلتُم لم يزلِ الرجلُ منكم ينظر في وجه قاتل أخيه وابنه وابن عمه، فإن (١) يكن محمد ملكًا أكلتُم في مُلك أخيكم، وإن يكن (٢) نبيًا كنتُم أسعد الناس به، وإن يكن كذَّابًا كفَتْكُموه العرب. فأبوا أن يطيعوه، فقال: أَنشُدُكم اللَّه في هذه الوجوه التي كأنها المصابيحُ أن تجعلوها كأنها وجوهُ الأفاعي، فقال أبو جهل لعنه اللَّه: لقد انتفخَ سَحْرُك (٣)، فقال عتبة: يا مصفِّرَ اسْتِهِ (٤)، ستعلمُ أيَّنا الجبانُ اللئيم المفسِد لقومه، ثم قال لأخيه شيبةَ وابنهِ الوليدِ: انزلا، فخرج عتبةُ وشيبةُ والوليد حتى فصَلوا من الصفوف، ثم دعوا للمبارزة، فخرج إليهم فتيانٌ ثلاثة من الأنصار وهم بنو عفراء: معاذٌ ومعوِّذٌ وعوفٌ، فاستحيا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من ذلك وكرِه أن يكون أولُ قتال (٥) لقي فيه المسلمون المشركين في الأنصار، وأحبَّ أن تكون الشوكة ببني عمه وقومه، فأمرهم فرجعوا إلى مصافِّهم، وقال لهم خيرًا، ثم نادى منادي المشركين: يا محمد، أخرج لنا الأكفاءَ


(١) في (ف): "قاتل أخيه وأبيه وإن".
(٢) في (ر): "كان".
(٣) السَّحْرُ: ما تَعَلَّقَ بالحُلْقوم؛ ولهذا قيل للرجلِ إذا جَبُنَ: انْتَفَخَ سَحْرُه، كأنَّهم أرادوا الرئةَ وما معها. انظر: "مجمع الغرائب" لعبد الغافر الفارسي (مادة: سحر).
(٤) قوله: "يا مصفر استه" قيل: رَمَاه بالأُبْنة، وأنَّه كان يُزَعْفِرُ اسْتَه، وقيل: هي كلمةٌ تقال للمُتَنعِّم الذي لم تحنكه التَّجاربُ، وكأنَّه أُخِذ من الصَّفيرِ، يريد أنَّه يُضرِّط نَفْسَه بيده، وهو كقولك: يا ضَرَّاط. انظر: "مجمع الغرائب" (مادة: صفر).
(٥) في (ر): "قتل".