للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لاقى محمدٌ قومًا (١) يُحْسِنون القتال، فأَجْمِعوا أمركم فسيروا إليه قبل أن يسير إليكم.

فأجمعوا أمرهم على ذلك، وسيدُ هوازنَ مالك بن عوفٍ النَّصريُّ، وسيدُ ثَقيفٍ عبد ياليل بن عمرٍو الثقفيُّ، فأجمَعوا المسير بالناس إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاؤوا ومعهم نساؤهم وأموالهم حتى نزلوا بأوطاسٍ، فعسكَروا ودريدُ بنُ الصِّمَّة معهم، وهو يومئذٍ شيخ كبيرٌ ابنُ مئة وستين سنة، ليس فيه شيء إلا التيمُّن به ومعرفتُه (٢) بالحرب، فلما نزل الشيخ مسَّ الأرض بيده فقال: بأيِّ وادٍ أنتم؟ قالوا: بأوطاسٍ، قال: نِعْمَ مجالُ الخيل، لا حَرْنٌ ضَرِسٌ ولا سهلٌ دهسٌ (٣)، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وثُغاء الشاة وخوار البقر وبكاء الصغير؟ فقالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فقال: أين مالكٌ؟ فقالوا: هذا مالكٌ، فدُعي له مالك، فقال: مالكُ إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئًا، فانقض هذا الرأي، فغضب مالك وقال: واللَّه لا أفعل ولا أغيِّر أمرًا صنعتُه، إنك قد كَبِرْتَ وكبر علمُك، وحدث بعدك مَن هو أبصرُ بالحرب منك، هل من رأي غيرِ هذا؟ قال: نعم، نجعل كمينًا يكون لك عونًا، إن حمل القوم عليك جاءهم الكمين من خلفهم، فقال مالك: هذا الرأي وأنا أقبله.

وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- افتتح مكة لثلاثَ عشرةَ ليلةً مضت من رمضان، وغزا يوم السبتِ السادس من شوال، واستعمل على مكةَ عَتَّابَ بنَ أَسِيدٍ يصلِّي بهم، ومعاذَ بن جبل يعلِّمهم السُّنن والفقه، وخرج النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في اثني عشر ألفًا من المسلمين، عشرةِ آلاف من أهل المدينة وألفين من أهل مكة.


(١) في (ف): "أقوامًا".
(٢) في (أ): "في معرفته".
(٣) الحزن: المرتفع من الأرض، والضرس: الذي فيه حجارة محددة، والدهس: اللين الكثير التراب. انظر: "الإملاء المختصر" لأبي ذر الخشني (ص: ٣٨٤).