للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فسمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قول هذا الرجل فساءه كلامه، فوُكلوا إلى كلمة الرجل، وانتهى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى حنينٍ مساء يوم الثلاثاء، وأَمر أُنيسَ بنَ مَرْثَدٍ الغَنَويَّ أن يحرسهم الليلةَ على فرسه على جبل، وقال له حين أصبح: "ما على هذا ألا يعمل عملًا بعد هذا".

وخرج رجال من أهل مكة من أشرافهم وهم كفارُ قريش ينظرون لمن تكون الدَّبْرة، منهم صفوانُ بن أمية، وفيها كانت استعارةُ دروعه، وقولُه (١): أغصبًا يا محمد؟! وقولُه عليه السلام: "بل عاريةٌ مؤدَّاة"، ولما وقدت الهزيمة أولًا على المسلمين مرَّ رجل بصفوان فقال: أبشر فقد هُزم محمد وأصحابه! فقال صفوان: فَضَّ اللَّه فاك، قال (٢): ربٌّ من قريش أحبُّ إلي من ربٍّ من هوازن إن كنت مربوبًا.

وانحدر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأصحابه في وادي حنينٍ -وهو [وادٍ] حدورٌ- وقد مضت مقدمته على تعبئة، وركب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بغلته البيضاء دُلْدُلَ، ولبس درعه والمغفَرَ والبيضة، فاستقبل الصفوف وطاف عليها بعضًا خلفَ بعضٍ، فحضَّهم (٣) على القتال وبشَّرهم بالفتح إنْ صدَقوا وصبروا.

وقال أنس رضي اللَّه عنه: ولمَّا انتهينا إلى وادي حنينٍ -وله مضائقُ وشعبٌ- استقبلَنا من هوازنَ شيءٌ لا واللَّه ما (٤) رأيتُ مثلَه في ذلك الزمان قطُّ من السَّواد والكثرة، قد ساقوا نساءهم وأبناءهم وأموالهم، فبينا نحن في غلس (٥) الصبح إنْ شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي فحملوا حملةً واحدةً وهم


(١) في (ف): "وفيها قال".
(٢) "قال" ليست في (أ).
(٣) في (ر): "فحثهم".
(٤) بعدها في (أ) و (ف): "إن"، والمثبت من (ر) و"المغازي".
(٥) في (ر): "غبش"، والمثبت من (أ) و (ف) و"المغازي".