للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: اختصاصُ النَّهارِ بضيائِه، وانفرادُ اللَّيل بظلمائه، مِن غير استيجابٍ لهذا ومن غير استحقاقِ عِتابٍ مع هذا = دلالةٌ على أنَّ الرَّدَ والقَبولَ والمنعَ والوصولَ ليس بمعلولٍ بسببٍ، ولا حاصلٍ بأمرٍ مكتسَب، كلَّا إنَّها إرادةٌ ومشيئة، وحكمٌ وقضيَّة، والنَّهارُ وقتُ حضور الغَفلة في أوطان كسبِهم، واللَّيلُ وقتُ أرباب الوصلة لانفرادهم بشهود ربِّهم (١).

* * *

(٧) - {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ}.

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} قيل: أي: لا يخافون عقابَنا.

وقال مقاتل: لا يخافون البعثَ (٢). كما قال: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: ١٣]؛ أي: لا تخافون للَّهِ عظمةً.

وقيل: أي: لا يطمعون في ثوابِنا.

وهذه الكلمة من الأضداد، وقد أوضحنا ذلك في قوله: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: ١٠٤].

وإنَّما سمَّى ذلك: لقاءَ اللَّهِ؛ لأنَّه لا (٣) يقدر على ذلك إلَّا اللَّه، فجُعِلَ لِقاؤُهُ لقاءَه تفخيمًا لشأنِه، كما جُعِلَ إتيانُ جلائلِ آياتِ اللَّه إتيانَ اللَّهِ لذلك.

وقوله تعالى: {وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا}: أي: سكنوا إليها، فلم يفكِّروا في عاقبةٍ ولا حسابٍ ولا جزاءٍ {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ}؛ أي: لا يتدبَّرون فيها.


(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٨٠).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" (٢/ ٢٢٧).
(٣) في (أ): "لما لم".