للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الموضع، كذلك المال لمستحقِّه سببُ سلامتِه وانتفاعِ المتَّصلين به، وعند مَن لا يستحقُّه سببُ طغيانِه وسببُ بلاءِ مَن هو متَّصلٌ به، كما قيل: نِعمُ اللَّهِ لا تُعاب، ولكن ربَّما استُقبِحَتْ على يد أقوام.

ومنها: أنَّ الماءَ إذا كان بمقدارٍ كانَ سببَ الصَّلاحِ، فإذا جاوزَ الحدَّ كان سببَ الخراب، كذلك المالُ إذا كان بقدر الكفاية والكفاف فصاحبُه منعَّم، فإذا زادَ وجاوزَ الحدَّ أوجبَ الكُفران والطُّغيان.

ومنها: أنَّ الماءَ ما دام جاريًا كان طيِّبًا، فإذا طالَ مكثُه تغيَّر، كذلك المالُ إذا أنفقَه صاحبُه كان محمودًا، فإذا ادَّخره وأمسكَه كان معلولًا مذمومًا.

ومنها: أنَّ الماءَ إذا كان طاهرًا كان حلالًا يصلُح للشُّرب ويصلح للطُّهور ولإزالة الأذى، وإذا كان غير طاهرٍ فبالعكس، وكذلك المالُ إذا كان حلالًا، وبعكسه إذا كان حرامًا.

ويُقال: كما أنَّ الرَّبيعَ تتورَّد أشجارُه، وتظهر أزهارُه، وتخضرُّ رِباعُه، وتتزيَّن بالنَّبات وِهادُه وتلاعُه (١)، ثم لا يُؤْمَنُ أنْ تصيبَه آفةٌ مِن غير ارتقاب، وينقلبُ الحالُ بما لم يكنْ في الحساب، كذلكَ مِن النَّاس مَن يكون له أحوالٌ صافية، وأعمالٌ بشرطِ الخلوص زاكية، وغصونُ أُنْسِهِ متدلِّية، ورياضُ قُرْبِهِ مُؤْنِقَة، ثمَّ تصيبُه عينٌ، فيذبلُ عودُ وِصالِه، وينسدُّ بابُ عوائدِ إقبالِه، كما قيل:

عينٌ أصابَتْكَ إنَّ العينَ صائبةٌ... والعينُ تسرعُ أحيانًا إلى الحسَنِ (٢)


(١) في "أ": "بالنبات من البر وهاده وتلاعه"، وفي (ر): "بالنبات وتأمن من البرودات وتلاعه"، وفي (ف): "بالنبات ويأمن من البرودات"، والمثبت من "لطائف الإشارات".
(٢) انظر: "لطائف الإشارت" للقشيري (٢/ ٨٩)، والبيت بلا نسبة فيه، وأورده بلا نسبة كذلك الإشبيلي =