للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال القشيريُّ رحمه اللَّه: انسدَّتْ بصائرُهم، فلم يزدادوا بكثرة السَّماع إلَّا عمًى على عمًى، كما أنَّ أهلَ الحقيقة ما ازدادوا إلَّا هدًى على هدًى، فسبحانَ مَن جعلَ سماعَ خطابِه لقومٍ سببَ تحيُّرهم، ولآخرين مُوجِبَ تبصُّرهم (١).

* * *

(٣٩) - {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}.

وقوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}؛ أي: ليسَ تكذيبُهم القرآنَ لكونه مفترًى عندهم بيقينٍ، مِن غير إحاطةِ علمِهم به أنَّه كذلك، ولم تأتهم حقيقةُ ما تؤُول إليه عاقبةُ مَن كذَّب به مِن نزول النِّقمة بهم.

وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: {تَأْوِيلُهُ}: ما يكون منه في الدَّنيا وما يكون منه في القيامة مِن العذاب (٢).

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قيل: بل كذَّبوا بالبديهة ما لم يحفظوا نظمَه ولا لفظَه، ولا نظروا فيه، ولا تدبَّروا ليعلموا معناه وتأويله وتفسيره (٣).

وقوله تعالى: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}: أي: مِن الأمم رسلَهم تسرُّعًا لا تثبُّتًا.

وقوله تعالى: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}: أي: الَّذين ظلموا نفوسَهم وعقولَهم كيف نزل بهم العذابُ، فليتَّقِ هؤلاء أن تكون عاقبتُهم كذلك.

وهو تسلية للنَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام، وتخويفٌ للمكذِّبين.


(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٩٦).
(٢) ذكره الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (٦/ ٤٤).
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٤٣).