للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كلَّ شيءٍ موضعَه، خبيرٌ عالمٌ بحقيقةِ الأشياء، وأنزلَه اللَّهُ تعالى، لم يفْتَرِهِ محمَّدٌ ولا تقوَّلَه، ولا قالَتْه الشَّياطينُ، ولا الكهنةُ، ولا الشُّعراء.

وقيل: {خَبِيرٍ} بوجوه المصالح فيها، لم يُنزِلْها جملةً، بل مفصَّلًا لِمَا قال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: ٣٢].

وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}؛ أي: لم تُنْسَخْ بكتابٍ كما نُسخَتِ الكتبُ والشَّرائع بها (١).

وقيل: {فُصِّلَتْ}: فُسِّرَتْ (٢).

ثمَّ في قولِه: {مِنْ لَدُنْ} أنَّه صلة قوله تعالى: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ}؛ أي: الإحكام والتَّفصيل مِن اللَّه تعالى.

وقيل: هي صلة قوله: {كِتَابٌ}؛ أي: هو منزَّل مِن عند اللَّه.

وقال الإمام الزَّاهد أبو منصور رحمه اللَّه تعالى: {أُحْكِمَتْ} فلا يأتيها الباطلُ مِن بين يدَيْه ولا مِنْ خلفِه، {ثُمَّ فُصِّلَتْ}: ثم بَيَّنَتْ ما يؤتى وما يُتَّقى، وما لهم وما عليهم (٣).

وفيه بيانُ جوازِ تأخُّر البيان لأنَّ (ثم) للتَّراخي (٤).

* * *


(١) ذكره الواحدي في "البسيط" (١١/ ٣٤٢)، وانظر: "تنوير المقباس" للفيروزآبادي (ص: ١٨١).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٣١٠)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ١٩٩٥)، عن مجاهد، وقد أشرنا إليه قريبًا.
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٩٤).
(٤) المرجع السابق (٦/ ٩٦).