للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مجاهدٌ: هو أن تَحفَّ الذنوبُ بالقلب من كلِّ نواحيه حتى تلتقيَ عليه (١).

وقال القُتَبيُّ: أي: أَقفل عليها وأَغلقها فلا تَعِي خيرًا ولا تَسمعُه (٢).

والتحقيقُ على طريقِ اللغة على الأول: أن اللَّه عز وعلا طبَع عليها فجعلها بحيث لا يَخرج منها (٣) ما فيها من الكفر، ولا يدخلها ما ليس فيها من الإيمان.

وعلى الثاني: أن اللَّه عز وعلا أتمَّ جحودها وكُفرَها وعنودها، وجَعل ذلك آخِرَ أمرها، فلا تزول ولا تحول.

وعلى الثالث: أن اللَّه تعالى أَعلم عليها ووسَمها بما فيها، فبه تُعرَف وبه تُوصَف.

وأمَّا معنى هذا الختمِ فعلى ثلاثةِ أوجُهٍ لثلاثِ طوائفَ من المتكلِّمين:

فأمَّا (٤) الجبريَّةُ: فقد جعلوا ذلك من اللَّه منعًا عن الإسلام والمعرفةِ، وإجبارًا على الكفر والنَّكَرة (٥)، كما في قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} [يس: ٦٥]: أنه منعٌ حقيقيٌّ، وهذا منهم جَرْيٌ على مذهبهم الفاسدِ في أن العباد مجبورون ولا فِعْلَ لهم اختيارًا، وفسادُ كلامهم ظاهرٌ.

وأمَّا المعتزلةُ: فقد جعلوا ذلك إعلامًا محضًا على القلوب بما يُظهر للملائكة أنهم كفارٌ، فيَلعنونهم ولا يَدْعون لهم بخير؛ كخَتْم الكتاب أو الباب إعلامٌ عليه


= رضي اللَّه عنهما: يعني: طبع اللَّه، ومعنى الختم على القلوب ليس أنه يذهب بعقولهم ولكنهم لا يتفكرون فيعتبرون بعلامات نبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فيؤمنون.
(١) رواه الطبري (١/ ٢٦٦)، وابن أبي حاتم (١/ ٤١).
(٢) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة (ص: ٤٠).
(٣) "منها" زيادة من (ف).
(٤) في (أ): "أما".
(٥) النكرة -محركة-: الاسم من الإنكار، كالنفقة من الإنفاق. انظر: "القاموس" (مادة: نكر).