للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: نزلَتْ في أبي جهلٍ، وذلك أنَّه دعا جماعةً مِن المشركين، وأتَوا النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا (١): إنْ يسرُّكَ أنْ نؤمِنَ بكَ ونتَّبِعَكَ فسيِّرْ لنا هذهِ الجبالَ مِن مكَّةَ، فنحنُ في ضِيْقٍ حتَّى نتَّخذ كظائِمَ -يعني: آبارًا (٢) - ونغرس ونزرع، فلسْتَ أهونَ عندَ اللَّهِ مِن داود، فقال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا أطيقُ ذلك"، قالوا: فسخِّرْ لنا الرِّيحَ لنركبَها، ونمتارَ في يومٍ إلى الشَّامِ مسيرةَ شهرٍ، ونرجعَ مِن يومِنا، فلسْتَ أهونَ عندَ اللَّهِ مِن سليمانَ، قال: "لا أطيقُ ذلك"، قال: فإنْ كنْتَ لا تطيقُهُ فأحيِ لنا جدَّكَ قُصيًّا حتَّى يخبرَنا عن كونِ البعْثِ، وعن صحَّةِ أمرِكَ، فلسْتَ بأهونَ عندَ اللَّهِ تعالى مِن عيسى، قال: "لا أطيقُ ذلك"، قال: فإنْ كنْتَ لا تطيقُه فلا أُلفينَّكَ تذكرُ آلهتَنا بسوءٍ، فأنزلَ اللَّهُ تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} الآية (٣).

* * *

(٣١) - {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}.


= وأصل الحديث رواه البخاري (٢٧٣١) من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، ومسلم (١٧٨٤) من حديث أنس رضي اللَّه عنه.
(١) في (أ): "فقال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" وفي (ف): "النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال" بدل من "وأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا".
(٢) في (أ): "يعني: آثارًا" وفي (ر): "ثم نبني لها دارًا". والكظائم: هي آبارٌ تُحْفَرُ ويُبَاعَدُ ما بَيْنَها، ثمَّ يُخْرَقُ ما بَيْن كلِّ بِئرينِ بقناةٍ تُؤدِّي الماءَ مِن الأُولى إلى التي تَلِيْها، حتَّى يَجْتَمِعَ الماءُ إلى آخِرِهِنَّ؛ ليَبْقَى في كلِّ بئرٍ ما يَحْتاجُ إليه أهلُها للشُّربِ وسَقْيِ الأرض، ثمَّ يُخْرَجُ فَضْلُها إلى التي تَلِيْها. انظر: "مجمع الغرائب" للفارسي (مادة: كظم).
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ٢٩٢).
وروى نحوه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٥٣٤ - ٥٣٥) عن قتادة والضحاك وابن زيد.