للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}: جوابُه محذوفٌ، وهو: لكان هذا القرآن، وهو كقولِ القائل:

واقْسِمُ لو شَيءٌ أَتَانَا رَسولُهُ... سِواكَ ولَكِنْ لم يَجِدْ لَكَ مَدْفَعَا (١)

وجوابُه محذوفٌ، وهو: لدفعْنَاه.

وقال الفرَّاءُ: يجوزُ أنْ يكونَ جوابُه: لكفروا بالرَّحمن؛ لتقدُّم ما يقتضيه (٢).

يعني: إنَّهم لتعُّنتِهم لا يؤمنون مع رؤيةِ كلِّ آيةٍ، كما قال: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ} الآية [الأنعام: ١١١]، وهي منتظِمةٌ بما مَرَّ: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ}؛ يعنون: مثلَ تسيير الجبالِ وتفجُّرِ الأنهار، فلمَّا أُشِيْرَ بهم إلى القرآن أنَّه آية معجزة قالوا: فافعل هذا بقرآنِكَ، فنزلَتْ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} فكذا وكذا، وجوابُه: لكان هذا القرآن، لكنْ ما أُنْزِلَ هذا القرآنُ لهذه الأشياء، فليسَتْ هذه (٣) مِن القرآنِ ولا مِن محمَّد، بل هي مِن اللَّه (٤) تعالى، ولو فُعِلَ بالقرآنِ لكانَ


(١) البيت لامرئ القيس، انظر: "ديوانه" (ص: ١٢٦)، وصدره في الديوان:
وجَدِّكَ لو شيءٌ أتانا رسوله
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء (٢/ ٦٣)، وفيه: (وقوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} لم يأتِ بعدَه جوابٌ لـ (لو)، فإنْ شئْتَ جعلْتَ جوابها متقدِّمًا: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ} ولو أنزلنا عليهم الذي سألوا، وإنْ شئْتَ كان جوابه متروكًا لأنَّ أمرَه معلومٌ، والعرب تحذفُ جوابَ الشَّيء إذا كان معلومًا إرادةَ الإيجاز).
فقوله: (فإنْ شئْتَ جعلْتَ جوابها متقدِّمًا: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ}. . .)، هو ما أراده المؤلف بما عزاه للفراء كما يتبين من كلام مكي بن أبي طالب في "الهداية" (٥/ ٣٧٤١) حيث قال: قال الفراء: الجواب: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}، والتقدير: ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال لكفروا بالرحمن.
(٣) "فليست هذه" ليس في (أ) و (ف).
(٤) في (أ) و (ف): "بل هو للَّه".