للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ودلَّتِ الآيةُ على حِلِّ اتِّخاذِ البِغال؛ إذ لو حرمَ ذلك لم تكن مِن النِّعم الَّتي يُمْتَنُّ (١) بها.

وقوله تعالى: {وَزِينَةً}: يحتملُ أن يكون تقديره: ولِزِينةٍ؛ أي: لركوبٍ وزينةٍ، أو يكون تقديره: لتركبوها ولتكون زينةً لكم، كما ذكر في الأنعام أنَّها (٢) جَمال لكم، وتُحْمَل إحدى الكلمَتَين على موافقةِ الأخرى.

وقوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}: أي: يخلقُ سوى هذه البهائم أشياءَ لا تعلمونها، مِن أنواع الحشراتِ في المفاوز، والهوامِّ تحتَ الأرض، وفي البرِّ والبحر ما لم يرَهُ البشر ولم يسمعوا به.

وقيل: هو ما يخلُقُ في الجنَّةِ مِن ذلك لأهلِها، وفي النَّارِ لأهلِها، ما لم ترَوْه ولم تسمعوا به.

وقال قتادةُ: هو السُّوس في الثِّياب، والدُّود في الفواكه (٣).


= السنة" (٦/ ٤٧٨)، حيث قال: وسئل ابن عَبَّاسٍ عن لحوم الخيل؟ فقرأ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} ولم يقل: لتأكلوها؛ فكره أكلها لذلك. وتمام هذا: أن اللَّه ذكر الأنعام وما ذُكر من النَّعم والانتفاعِ بها، وبالغ في ذكرها؛ لأنَّه قال: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} وقال: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} الآية، وقال: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ}. . . فذكَر جميع ما يُنتفع به من أنواع المنافع ذكرًا شافيًا مبالغًا غير مَكْفي، فدل ما ذَكَر في الخيل من الركوب، وكذلك في البغال والحمير؛ على أنه ليس فيها منفعة أخرى سوى ما ذكر وهو الركوب؛ إذ خرج الذكر لها على المبالغة والاستقصاء؛ ليس على الاكتفاء، ولو كان هنالك منفعة أخرى لذكَر على ما ذكَر في غيره. واللَّه أعلم.
(١) في (أ): "يمن".
(٢) في (أ): "أيضًا".
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٦/ ٩).