للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال في قوله: {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ}: قومٌ تفاضلوا بصدق القدم، وقومٌ تفاضلوا بعلوِّ الهِمم، ومنهم مَن يتفاضل بما لا بيانَ يصفه ولا عبارة، ولا رمز يدركه ولا إشارة، ومنهم مَن يراه في الأسبوع مرةً، ومنهم مَن لا يغيب عنه لحظة، وقد يجتمعون عند الرؤية ثم يتفاوتون في النصيب، فليس كلُّ مَن يراه يراه بالعين التي يَرى بها صاحبُه، وأنشدوا:

لو يَسمعون كما سمعتُ كلامَها... خرُّوا لعزَّةَ رُكَّعًا وسجودًا (١)

* * *

(٢٢) - {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}.

وقوله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}: أي: جرِّد التوحيد فلا تعتقِدْ مَن يَستحق العبادةَ غيرَه.

وقوله تعالى: {فَتَقْعُدَ}: أي: فتبقى وتمكُثَ {مَذْمُومًا} بكلِّ لسان {مَخْذُولًا}: هوكولًا إلى مَن اتَّخذْتَه من دون (٢) اللَّه معبودًا لا نصيرَ عنده ولا عون.

والخطاب للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والمراد به (٣) غيره.

وهذه الآيات متصلةٌ بعضُها ببعضٍ، وأولها: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ}؛ أي: عملَه من الخير والشر، ثم ذكر تفاصيلَ ذلك وتفاوتَ الفرق فيها، وذكر تفاوتَ الناس في الدنيا في الأعمال وتفاوتَهم في الآخرة في المحالّ، وذلك على حسب الأفعال، ثم فصَّل تلك الأعمال وبدأ بالتوحيد وهو في هذه الآية، ثم أتبعها خصال الإسلام الحسنةَ وما يضادُّها من الأعمال السيئة.


(١) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٣٤٢ - ٣٤٣).
(٢) في (ر): "غير"، وفي (ف): "من غير" بدل: "من دون".
(٣) "به" من (ف).