للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والتكبُّر كلُّ ذلك نتائجُ الغَيبة عن الذكر، والحَجْبة عن شهود الحق، فإن اللَّه تعالى إذا تجلَّى لشيء خشع له، بذلك ورد الخبر (١)، فأما في حال حضور القلب واستيلاءِ الذكر وسلطانِ الشهود فالقلبُ مطرِقٌ، وحكمُ الهيبةِ غالبٌ، ونعتُ المدح وصفةُ الزَّهْو وأسبابُ التفرقة كلُّها ساقطة، والناس في الخلاص عن محنةِ (٢) التكبر أصنافٌ، وأصحاب الاعتبار إذا عرفوا أنهم مخلوقون من نطفةٍ أمشاجٍ وحاملون في بطونهم ما يحملون ويصيرون في اللحد إلى ما يصيرون، نزَع ذلك عنهم التجبُّرَ والتكبُّر (٣)، فأما أرباب الحضور فليس في طلوع الحق إلا انخناسُ النَّفْس (٤).

* * *

(٤٠) - {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا}.

وقوله: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ}: استفهام بمعنى التوبيخ؛ أي: أفخصَّكم أيها المشركون ربُّكم بالبنين من الأولاد {وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا}: اتخذ لنفسه البنات.

وقيل: أَصْفاه (٥) بكذا؛ أي: اختار له (٦)، واصطفاه: اختار لنفسه، قال تعالى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: ١٥٣]، وقال تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [الطور: ٣٩]، وقال تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}


(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (١٨٣٦٥)، والنسائي في "الكبرى" (١٨٨٣) و (١٨٨٥)، وابن ماجه (١٢٦٢)، من حديث النعمان بن بشير رضي اللَّه عنهما.
(٢) في (ر): "محبة" وفي "اللطائف": (صفة).
(٣) في (ر): "التكبر والتبختر".
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٣٤٨).
(٥) في (ف): "اصطفاه".
(٦) في (أ): "أصفاه تلك أي اختاره".