للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عند الكعبة قد فرغ من صلاته، فقالوا: إنَّا نريد أن نسألك عن أشياء، وتقدم النَّفَر الذين كانوا قدِموا فسألوه عن تلك الخصال الثلاث، فقال: أخبرُكم غدًا، ولم يقل: إن شاء اللَّه؛ أي: لم يستثنِ، فمكث الوحيُ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خمسَ عشرةَ ليلةً لا يأتيه جبريل عليه السلام بشيء (١)، فكبُر ذلك على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأَرجَف أهل مكة، فقال (٢) بعضُهم لبعض: الرجل متقوِّل، وبطَل ما كان يقوله، وعدَنا أن يخبرَنا عما سألناه عنه فقال: غدًا أخبركم، واليوم خمس عشرة ليلة (٣) ولم يأتنا بخبرِ ما سألناه عنه، ثم عادوا فسألوه عن حديث أصحاب الكهف، فقصَّ عليهم قصَّتهم، ثم جاءهم بحديث الطوَّاف وهو ذو القرنين، فأخبرهم بذلك كلِّه وقص عليهم، ثم سألوه عن الروح فقال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} فانصرفوا (٤). وقد جاءت هذه الأمور كلُّها وهم لا يؤمنون.

وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}؛ أي: عن الروح التي يَحْيَى بها الحيوان: ما هي؟ كما يَسأل عنها مَن يدَّعي الفلسفة {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}؛ أي: هو المتفرِّد بعلم كيفيتها، كمَن يُسأل عن شيء لا يقف على حقيقته، فيقول: هذا من أمر أستاذي؛ أي هو الواقف على حقيقته.

وقيل: {مِنْ أَمْرِ رَبِّي}؛ أي: وجودُها بتكوين ربي؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ


(١) "بشيء" من (أ).
(٢) في (ف): "وقال أهل مكة" بدل: "وأرجف أهل مكة فقال".
(٣) في (ف): "يومًا".
(٤) رواه ابن إسحاق في "السير والمغازي" (ص: ١٩٧)، ومن طريقه الطبري في "تفسيره" (١٥/ ١٤٣)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (٢/ ٢٧٠)، من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما. وشيخ ابن إسحاق فيه مبهم لم يسمه.