للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قالوا: هل بينَ الضوء والنور مغايرةٌ، أو هما شي ءٌ واحدٌ؟ فإن كانا غَيْرَين (١) فلمَ أثبتَهما جميعًا في شيءٍ واحدٍ هاهنا، فقال (٢): {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}؟ وإن كانا واحدًا فلمَ غايَر بين الكلمتين؟

قلنا: هما واحدٌ هاهنا، وإنما ذكرهما جميعًا لأنه أعذَبُ لفظًا، وأحسنُ نظمًا، وأبلغُ في الفصاحة، وألطف في العبارة، من الإعادة بلفظ الأول، ودليلُ اتِّحادهما قولُه تعالى في صفة نور المعرفة: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} (٣) [النور: ٣٥] وقال تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: ٣٥]، وقال في التوراة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً} [الأنبياء: ٤٨] وقال فيها أيضًا (٤): {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: ٤٤].

وقوله تعالى: {مَا حَوْلَهُ} أي: جهات المستوقد، يقال: حَوْلَه وحَوَالَيْه وحَوْلَيه.

وقوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}: أي: أَذْهبه اللَّه، والذَّهاب والذُّهوب: الانتقال، والمَذْهب: الطريق، والذَّهاب: الزَّوَال أيضًا، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: ٣٣]؛ أي: ليزيلَه.

و (ذهب) لازمٌ، ويصير متعديًا بالباء، كما يقال: أتى فلانٌ وأتى به غيرُه، وذهب هو وذهب به غيره، وقام هو وقام به غيره.

والنور هاهنا: ضوءُ النار التي أوقَدوها، وإنما لم يقُل: بنارهم، وإنْ كانت هي


(١) في (ر): "مغايرين".
(٢) في (ف): "ثم قال".
(٣) في (ر): " {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} ".
(٤) في (أ): " {فِيهَا آيَاتٍ} ".