للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد بينا بعض قصة موسى في سورة الأعراف، ونذكر هاهنا بعض ما يتصل بهذه الآيات:

قال وهب: إن موسى لمَّا قضى الأجل الذي كان بينه وبين شعيب فوفَّاه عشرَ حججٍ (١) فصَل من أرض مدين مقبلًا يؤمُّ الشام ومع موسى امرأتُه وولده وعبدُه، فانطلق يسير في بريَّة الشام وأكبرُ (٢) همه طلبُ أخيه هارون وأختِه مريم وهما بمصر في مملكة فرعون، همُّه لقاؤهما والحيلةُ لخروجهما من مصر إن استطاع، فسار غيرَ عارف بالطريق غيرَ أنه يؤمُّ المغرب ويرى أنه الوجهُ (٣) إلى مصر، فلم يزل على ذلك حتى أنحاه السير (٤) إلى جانب الطور الغربي الأيمن في عشيةٍ شاتيةٍ شديدةِ البرد ذاتِ رياحٍ وأمطار وجليد، فنزل حين أمسى وجنَّه الليل واشتدَّ عليه الظلام والبرد والريح، وأخذ امرأتَه الطلقُ، فعمد إلى زندٍ له فقدحه فلم يُوْرِ شيئًا، فاجتهد فلم يزدَدْ إلا شحاحًا، فألقاه وجعل ينظر يمينًا وشمالًا هل يسمع صوتًا، أو يرى أحدًا قد اختلف على الرائي وأخطأ الطريق؟ فبينما هو كذلك إذ رأى نارًا غيرَ بعيد، فلما نظر إليها قال لأهله: {امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى}؛ أي: دلالةً على الطريق، فانطلق يؤمُّها فتتباعدُ عنه مرةً وتتقرَّب أخرى، فلما طال ذلك همَّ أن يرجع عنها فإذا ذكر الحاجة انطلق إليها، فلم يزَل كذلك حتى وصل إليها وما كاد، فإذا بنارٍ عظيمةٍ بيضاء ليس لها حَرٌّ (٥) ولا دخان، وهي على ذلك تعمل عمل


(١) في (ر): "سنين".
(٢) في (ف): "وأكثر".
(٣) في (ر): "يؤم المغرب ويروى أنه توجه".
(٤) في (أ): "ألجأه السير"، وفي (ر): "أنجاه النير".
(٥) بعدها في (ر) و (ف): "ولا برد".