للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه تعالى في قوله: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} قال: تنقطعُ الأوهام، وتقف الأفهام، وتنحسر العقول، ويندرس العلم، وتتحيَّر المعارف، وتتلاشى نعوت الخلق، ويستولي سلطان الحقيقة، فعند ذلك لا عينٌ ولا أثر، في الحضور خرس، وفي البساط فناء، وإنما الصيحة على الباب (١).

* * *

(١٠٩) - {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}.

قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}: أي: {لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} مشفوعًا له {إِلَّا} أن يكون الشافعُ قد {أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} في الشفاعة {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}؛ أي: رضي ما يقوله من الشفاعة، بأنْ تكون شفاعتُه لمن يجوز أن يُغفر له، وهو المسلم دون الكافر، وهو كقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥].

وقيل: أي: {لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا} لـ {مَنْ أَذِنَ} اللَّه بالشفاعة فيه {وَرَضِيَ} للمشفوع {لَهُ قَوْلًا}؛ أي: يكون المشفوع له ممن رضي اللَّه قوله في الدنيا، وهو إن كان قائلًا كلمة الشهادة معتقِدًا لها (٢)، وهو كقوله: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: ٢٣]، وقال: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: ٢٨].

وقيل: هذا في ردِّ مَن يعبد الملائكة طمعًا في شفاعتهم، وهو كقوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: ٢٦].


= اللغة" لابن فارس (٢/ ٣٣٨)، والرواية في المصادر: (فباتوا يدلجون وبات. . .)، وقد تقدم قريبًا بيت آخر من القصيدة، وذكرنا ثمة قصتها.
(١) "وإنما الصيحة على الباب" من (أ). وانظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٤٧٧)، وفيه: (. . . وعلى البساط فناء، وللرسوم امتحاء، وإنما الصحة على الثبات).
(٢) في (ر): "فتنفعه" بدل: "معتقدًا لها".