للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كثرةُ مَن أهلكنا من القرون، وهو فاعلُ {أَفَلَمْ يَهْدِ}، والمفعول مضمَرٌ؛ أي: أفلم يبيِّن للمشركين كثرةُ القرون المهلَكين بمخالفة الأمر أن حالهم كذلك.

ويجوز أن يكون الفاعل هو القرآن، و {كَمْ} في موضع النصب لأنه مفعولٌ؛ أي: أفلم يبيِّن القرآنُ للمشركين كثرةَ مَن أهلكنا.

{يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ}: أي: الذين يمشون؛ كقولك: أنت الرجلُ أحبُّه؛ أي: الرجل الذي أحبُّه؛ أي: يمشي هؤلاء المشركون في مساكن أولئك المهلَكين، وهم عادٌ وثمودُ وقومُ لوطٍ وشعيبٍ، وكانت العرب تسير للتجارة وغيرها في بلادهم.

وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى}: أي: أصحابِ (١) العقول؛ أي: يتفكَّرون في أنهم كفروا وعصَوا فاستُؤصلوا، فلا يفعلوا كذلك لئلا يُفعل بهم كذلك.

ذكَر إهلاكَ الأولين ثم أخبر عن سبب تأخير إهلاك الآخرين فقال: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى}: فيه تقديم وتأخير، ومعناه: ولولا قولٌ سبَق من ربِّك أنه لا يعذِّب هذه الأمةَ بالاستئصال في الدنيا، ولولا أجلٌ مسمًّى وهو الساعةُ التي سبق القول بتأخير العذاب إليها، لجاءهم العذاب عاجلًا ولازمهم (٢)، وهو كقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} [العنكبوت: ٥٣].

وقيل: الأجل المسمَّى في الدنيا، ومعناه: ولولا كلمةٌ سبقت من ربِّك في أنَّ لإهلاكِ هؤلاء وقتًا معلومًا قد جعَله وقتًا لذلك وسماه له، لكان الهلاكُ لزامًا،


(١) "أصحاب" زيادة من (ف).
(٢) في (ر): "ولاذ بهم" وليست في (ف).