للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى أتى سفينةً فركب فيها، حتى إذا توسطت ركدت لا تتقدم ولا ترجع، فقال أهل السفينة: إن لسفينتنا شأنًا! قال يونس: قد واللَّه عرفتُ شأنها، قالوا له: وما شأنُها؟ قال: ركبها رجل ذو خطيئةٍ عظيمة، قالوا: ومَن هو؟ قال: أنا، فاقذفوني من سفينتكم في البحر وانطلِقوا لشأنكم، فقالوا: واللَّه ما كنَّا لنطرحَك من بيننا أبدًا حتى نُعذر (١) في شأنك، فقال لهم: فاستهِموا حتى ننظرَ مَن وقع عليه السَّهم، فاقترعوا فأُدْحِضَ سهم يونس، فقال: قد أخبرتكم فاقذِفوني في البحر، فقالوا: لا نفعل حتى نعذر (٢) في شأنك، ففعل ذلك ثلاث مرات وإن الحوت عند رجل السفينة فاغرًا فاه ينتظر أمر اللَّه فيه، فقال لهم يونس: إنكم واللَّه لن تصنعوا شيئًا، وإنكم لتَهْلِكُنَّ أو لتَقْذِفُنَّني منها، فقذفوه منها إلى البحر فالتقمه الحوت وانطلق به إلى مسكنه في البحر، فأقام في بطنه ثلاثًا (٣) ثم أمره اللَّه تعالى فخرج به حتى لفظه فطرحه (٤) في ساحل البحر، فطرحه مثل الصبي المولود لم ينقص من خلقته شيءٌ، وذلك لأنه نادى في الظلمات: ظلمةِ الليل، وظلمةِ البحر، وظلمةِ بطن الحوت: {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} معترِفًا بزلَّته تائبًا منها، فأنبت اللَّه عليه شجرةً من يقطينٍ، وفجَّر تحت خده عينًا من ماءٍ، فنبت كما ينبت الصبي حتى استوى وصار كما كان (٥).


(١) في (ر): "تغدو".
(٢) في (ر): "تغدو".
(٣) في (أ): "ثلاثة أيام".
(٤) "فطرحه" من (أ).
(٥) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣١٨٦٦)، والنحاس في "إعراب القرآن" (٣/ ٤٤١)، وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" (٧/ ١٢٣)، عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه موقوفًا. وصحح إسناده الحافظ في "الفتح" (٧/ ١٢٣).