للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى أبو هريرة رضي اللَّه عنه عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لمَّا أراد اللَّه تعالى حبسَ يونس بن متى في بطن الحوت، أوحى اللَّه إلى الحوت: أنْ خُذه، ولا تخدِش له لحمًا، ولا تكسر له عظمًا، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر، فلما انتهى إلى مسكنه في أسفل البحر فسمع يونس حسًّا، فقال في نفسه: ما هذا؟! فأوحى اللَّه إليه وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيحُ دوابِّ البحر، فعند ذلك سبَّح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنَّا لنسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبةٍ! قال: ذاك عبدي يونس عصاني فحبستُه في بطن حوت في البحر، فقالوا: يا ربنا! العبد الصالح الذي كان يصعد منه في كلِّ يوم وليلةٍ عملٌ صالح؟ قال: نعم، قال: فَشَفَعوا له عند ذلك، فأمر اللَّه تعالى الحوت فقذفه بالساحل" (١).

وقوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}: أي: أنْ لن نضيِّقَ عليه، قال اللَّه تعالى في سورة (والفجر): {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: ١٦]؛ أي: ضيَّق.

وقوله تعالى: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ}: والظلمات ثلاثٌ على ما ذكرنا في القصة.

وقيل: ابتلع الحوتَ الذي ابتلع يونسَ عليه السلام حوتٌ آخر، ثم ابتلع


(١) رواه البزار في "البحر الزخار" (٨٢٢٧) من طريق ابن إسحاق عن عبد اللَّه بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورواه الطبري في "تفسيره" (١٦/ ٣٨٥) وجاء فيه: ابن إسحاق عمن حدثه، عن عبد اللَّه بن رافع به. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٧/ ٩٨): رواه البزَّار عن بعض أصحابه ولم يُسمِّه، وفيه ابنُ إسحاقَ وهو مُدَلِّسٌ، وبقيةُ رجالِه رجالُ الصَّحيح. قلت: ومع ذلك فشيخ ابن إسحاق مبهم كما في رواية الطبري. وذكر له ابن كثير في "البداية والنهاية" (٢/ ٢٢) شاهدًا من طريق يزيد الرقاشي قال: قال: سمعتُ أنسَ بنَ مالكٍ ولا أعلمُ إلا أن أنسًا يرفعُ الحديثَ إلى رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. . .، فذكر نحو حديث أبي هريرة. قال ابن كثير: ويزيدُ الرَّقَاشيُّ ضعيفٌ، ولكنْ يَتقوَّى بحديث أبي هريرة المتقدِّم، كما يَتقوَّى ذاك بهذا. واللَّهُ أعلمُ.