للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الأخفش: وعدَّده للدهور، وأعدَّ وعدَّد واحد، كقولهم: أَجَدَّ وجَدَّدَ، وأَحَدَّ وحدَّد.

ثم ختم ذلك بقوله: وهذا كلُّه دلالةُ الإمساك، كقوله: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج: ١٨].

- ومن روائع نقله ما ذكره في تفسير {الصَّمَدُ} عن أبي زيد البلخيِّ (١) من قوله: الصمد: هو الذي يُصمد إليه تعظيمًا له ورغبةً فيه، ووقوعُ هذا الاسم على مَن تعظَّم من البشر إنما هو على الاستعارة؛ لأنه ليس أحدٌ من المخلوقين وإنْ عظُم شأنُه وعلتْ رتبتُه إلا وهو موصوفٌ بالنقص، عاجزٌ عن إبلاع مَن يَصمد إليه غايةَ أمله، فالصمدُ في الحقيقة مَن هو ملجأُ كلِّ مستغيثٍ به في نوازله، ومَن بيده ناصيةُ كلٍّ من خليقته، ومِن أجلِ جلالة هذا الاسم جعله اللَّه تعالى مقرونًا بلفظةِ {أَحَدٌ} الدالةِ على حقيقة الوحدانية؛ ليدلَّ بأحد الاسمين على أن الموصوف به هو مَن لا نظيرَ له ولا شبيه إذله الوحدةُ المحضَة، ويدلَّ بالاسم الآخر على أن مِن الواجب إذ كانت الوحدانيةُ بالحقيقة له، وكان مبدعَ الكلِّ وحافظَه ومدبِّره، أن لا يُصمد بالعبادة والتعظيم والرغبة والرهبة غيرُه، فاجتمعَ في لفظي الأحدِ والصَّمدِ وما يتبعهما من نفي صفاتِ الحدوث ووجودِ مثيلٍ له وشبيهٍ له -وهو قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} - ما يستحقُّه من صفات الألوهية والربوبية، ومن أجلِ عظيمِ شأنِ هذه الكلمات الموجودةِ في هذه السورة صارت من أشرفِ سور القرآن في توحيد اللَّه وتمجيده، ولذلك سُميت سورةَ الإخلاص، كلُّ هذا كلام أبي زيد.

ثم نقل عن بعض أهل العلم قوله في تفسير سورة الصمد: إن هذه السورةَ يفسِّر بعضُها بعضًا، إذا قيل: مَن هو؟ فجوابه: {اللَّهُ}، مَن اللَّهُ؟ {أَحَدٌ} مَن الأحد؟


(١) هو أحمد بن سهل، أحد الكبار الأفذاذ من علماء الإسلام، وستأتي ترجمته في الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>