للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: وقال بعضهم: {عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا}؛ أي: يحتملنَ وزرها بالخيانة فيها، يعني: أطعنا اللَّه وحفظنا الأمانة وما خانوها، وهو كقوله: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ} [النحل: ٢٥]، وقوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} [العنكبوت: ١٣]، وقوله: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح: ٢] (١)، {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ}؛ أي: خانها ولم يحفظها الإنسان وهو الكافر على هذا القول {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} هو صفة الكافر أيضًا.

وأما مَن حمل الأولَ على أنهن لم يقبلنها وقبلها الإنسان فالإنسانُ اسم جنس لآدم وأولاده (٢) هم قبلوا، وقوله بعد ذلك: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} هو صفة بعضهم وهو الكافر، فإن الإنسان اسم جنس فيقع على الجميع؛ قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} وهذا للجمع، حتى صح الاستثناء منه بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} فكذلك هاهنا يرجع قوله: {ظَلُومًا جَهُولًا} إلى الكافر، ولا يجوز أن يُجعل هذا صفةً لآدم عليه السلام فإنه لا يجوز أن يسمَّى ظالمًا جاهلًا فكيف يسمى {ظَلُومًا جَهُولًا} وهو أبلغ، فأما في حق الكافر فيصح هذا لأن اللَّه تعالى سماهم ظالمين بقوله: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٥٤] وجاهلين بقوله: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: ٦٤]، فيجوز وصفهم بالظلوم والجهول لأنهم ثابتون على الظلم والجهل دائمون عليهما.

* * *

(٧٣) - {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.


(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٨/ ٤٢٠ - ٤٢١).
(٢) في (ف): "لآدم وحواء ولأولادهما"، وفي (ر): "لآدم ولأولادهم".