وقولُه تعالى:{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}: أي: أبرَمَ هؤلاء الذين هُم للحق كارهون أَمْرًا يُقَدِّرون به أنهم يَكيدون الحقَّ فيُبْطِلونه بالجدَل، فإنا مُبْرِمون أَمْرَنا في إبطال كيدهم لإظهار الحق، أم أبرَموا تدبيرًا في ردِّ ما نريدُ إنزالَه بهم مِن العذاب؟! فإنا مُبْرِمون أمرَنا في إنزاله بهم على وجهٍ لا يُمكنُهم رَدُّه، والإبرامُ: الإِحْكامُ.
وقيل:{أَمْ أَبْرَمُوا}: عطفٌ على قوله: {أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}، أم هُم عالمون بهذا إلا أنهم أبرَموا أمرًا في شركهم يتحرَّزون به مِن عذابنا؟! فإنا مُبْرِمون.
قولُه تعالى:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ}: {سِرَّهُمْ}: هو ما أسَرُّوه في أنفسهم مِن تدبير {وَنَجْوَاهُمْ}: وهو ما تشاوروا فيه فيما بينهم مما يُخْفُونه عن غيرهم.
{بَلَى}: أي: ليس كما يتوهَّمون، بل نسمَعُ كلَّ ذلك ونعلَمُه.
{وَرُسُلُنَا}: أي: الحفَظَةُ {لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}: ما يكون منهم.
قال الكلبي: معناه: قل: إنْ كان للرحمن ولدٌ على زعمكم، فأنا أول الآنِفين مِن هذا الكلام أنْ يُقال: إنَّ للَّه ولدًا على زعمكم (١).
(١) "على زعمكم" من (ر). وهذا القول ذكره عن الكلبي السمرقنديُّ في "تفسيره" (٣/ ٢٦٥)، وذكره الطبري في "تفسيره" (٢٠/ ٦٥٦) من غير نسبة، والثعلبي في "تفسيره" (٨/ ٣٤٦) عن قوم من أهل المعاني، ونقله الواحدي في "البسيط" (٢٠/ ٨١) عن أبي عبيدة والمبرد. وسيأتي عن أبي عبيدة لاحقًا.