للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الحسين بن الفَضْل رحمه اللَّه: لا يجوز أنْ يكون الفتحُ عِلَّةً للمغفرة، واللامُ للتعليل، فلم يكن اتِّصالُه لذلك، لكنْ يتَّصِلُ هذا بقوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. . . لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر} الآيات (١).

وقال مقاتل: إنَّ اللَّه تعالى أنزلَ عليه وهو بمكة قولَه: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ}، ففرِحَ بذلك أهلُ مكَّةَ، وقالوا: ما أمرُنا وأمرُه عند إلهه الذي يعبُدُه إلا واحدٌ، ولولا أنَّه ابتدعَ هذا الأمر عن هواه لكان ربُّه يُخبِرُه بما يفعل به، وشَقَّ ذلك على المؤمنين، فلمَّا قدِمَ المدينةَ قال عبد اللَّه بن أُبيٍّ: كيف تتَّبعون رجلًا لا يدري ما يُفعَلُ به، ولا يدري ما يُفعَلُ بأصحابه، فلما رأى اللَّهُ فرَحَ المشركين وحُزْنَ المؤمنين، أنزلَ عليه بعدما رجع مِن الحُدَيْبِيَةِ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ}؛ أي: قبل المَبْعَثِ، {وَمَا تَأَخَّرَ}: أي بعد المَبْعَثِ (٢).

فأخبرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابَه بذلك، وقال: لقد نزلت عليَّ سورةٌ ما يسُرُّني بها حُمْرُ النَّعَم" (٣)، ثم قرأها عليهم فقالوا: طوباكَ يا رسولَ اللَّهِ، فأنزل اللَّه تعالى الآيةَ التي في الأحزاب: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الأحزاب: ٤٧].

وقولُه تعالى: {مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}: أي: مِن زلَّتِكَ، ولا نبحثُ عن ذلك


(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٤٢)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ٢٩٧).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" (٤/ ٦٥).
وذكره عنه مختصرًا السمرقندي في "تفسيره" (٣/ ٣٠٨)، والثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٤٢)، والواحدي في "البسيط" (٢٠/ ٢٨١).
(٣) ذكره مقاتل في "تفسيره" (٤/ ٦٦) بلفظ: "لهي أحب إلي مما بين السماء والأرض"، والثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٤٢) واللفظ له، ولم يذكرا له إسنادًا.
والحديث رواه البخاري (٤١٧٢)، ومسلم (١٧٨٦) من حديث أنس رضي اللَّه عنه.