وهذا الكلامُ خرجَ مخرجَ الاستبطاءِ والإخبارِ بزوال المانع؛ أي: أيُّ عذرٍ لكم في تركِ الإيمانِ باللَّهِ، وقد أقيمَتْ البراهينُ على ما تُؤمَرون به سمعًا وعقلًا:
أمَّا العقلُ: ما دلَّ دلائلُ العقلِ على صدقِ الرَّسول في دعوى النُّبوَّة، بما أظهرَه اللَّهُ تعالى على يدِه من المعجزات التي هي خارجةٌ عن قِوى البشر، وذلك أخذُ الميثاقِ منهم به.
وأمَّا السَّمع: فهو ما يدعوهم إليه الرَّسول من الإيمان بمَن هو ربُّهم، دونَ مَن هو مربوبٌ مثلُهم.
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ أي: إنْ كنْتُم ممَّنْ همُّكُم التَّصديق بما يقومُ البرهان على صحَّتِه، فقد قام ذلك سمعًا وعقلًا.
وهذا إذا جُعل هذا خطابًا للمشركين.
وإنْ جُعل خطابًا للمؤمنين فمعناه: أيُّ سببٍ يزيلُكُم عن الإيمانِ والرَّسولُ بينَ أظهرِكُم يدعوكُم إلى الثَّبات عليه، وقد أَخذ هو عليه ميثاقَكم {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}: موقنين بشرائطِ الإيمان، وهو كقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (١٠٠) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ.. .} الآية [آل عمران: ١٠٠ - ١٠١].
وعلى التَّأويل الأوَّل: أَخْذُ الميثاقِ مِنَ اللَّهِ تعالى على عبادِه، وهو ميثاقُ الخِلْقَةِ.