للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سيقول لك: لا، فتقولين: فما هذه الرِّيح، فكان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يشتدُّ عليه أنْ تُوْجَدَ منه ريحٌ كريهةٌ، فإنَّه سيقول لك: سقتني حفصةُ شربةً مِنَ العسلِ، فقولي: جرسَتْ نحلُهُ العُرْفُطَ، وسأقول ذلك، وقوليه يا صفيَّة.

فلمَّا دخل على سودةَ فقالَتْ: واللَّه الَّذي لا إله إلَّا هو، لقدْ كدْتُ أباديه بالذي قلْتِ لي، وإنَّه على الباب فَرَقًا منكِ، فلمَّا دنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منِّي قلْتُ: يا رسول اللَّه، أكلْتَ مغافير؟ قال: "لا"، قلْتُ: ما هذه الرِّيح؟ قال: "سقَتْني حفصةُ شربةَ عسلٍ" قلْتُ: جرسَتْ نحلُه العُرْفُطَ.

قالَتْ: فلمَّا دخلَ عليَّ قلْتُ له مثل ذلك، فلمَّا دخل على حفصةَ قالَتْ: يا رسول اللَّه، ألا أسقيْكَ منه؟ قال: "لا حاجةَ لي به".

قالَتْ: تقول سودةُ: سبحانَ اللَّه! لقد حرَّمناه عليه. قالَتْ: قلْتُ لها: اسكتي (١).

وروى ابن أبي مليكة، عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما قال: كانت لسودةَ بنتِ زمعة خؤولة باليمن، فبُعِثَ إليها بعسلٍ، وكان النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يصيْبُ الطَّعام فيدخل عليها فيشرب من ذلك العسل، وكانت عائشة وحفصة متواخيتين (٢) على جميع نساء النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت عائشة: إنَّ هذا يأتي هذه، وهي تسقيه من عسلِها، فإذا هو دخلَ عليك فقولي: إنِّي لأجد منك ريحًا، فإذا دخل عليَّ قلْتُ له مثلَ ذلك، فلمَّا خرج من عند سودةَ دخل عليها، فأمسكَتْ بأنفِها، فقالَتْ: ما هذه الرِّيح؟ إنِّي لأجد منك ريحًا. قال: "أيُّ ريح؟ " قالَتْ: كأنِّي أجُد منكَ ريح المغافير! فقال: "قد قالَتْ ذلك فلانة، إنَّما هو عسلٌ شربْتُ مِن عند سودة، لا جرمَ لا أذوقه"، فقال: فنزل قوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآية (٣).


(١) رواه البخاري (٥٢٦٨)، ومسلم (١٤٧٤/ ٢١).
(٢) في (أ) و (ف): "متواتيتين"، وفي (ر): "متواسيتين"، والمثبت من "أسباب النزول" للواحدي.
(٣) رواه الواحدي في "أسباب النزول" (ص: ٤٤٠).