للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حدَّثه به، وقال: ما أظنُّ ما تقول حقًّا، فقال الرَّجل: يا أمير المؤمنين، معي من متاعها الذي هو مفروش في قصورها وغرفها وبيوتها، قال: ما هو؟ قال: اللُّؤلؤ وبنادق المسك والزَّعفران، فقال معاوية: هاتِ حتَّى أراه، فأراه لؤلؤًا أصفر من أعظم ما يكون من اللُّؤلؤ، وأراه تلك البنادق، وشمَّها معاوية، فلم يجد لها ريحًا، فأمر ببندقة منها حتى دُقَّت، فسطع ريحها مسكًا وزعفرانًا، فصدَّقه عند ذلك معاوية، وقال: كيف لي أن أعلم ما اسم هذه المدينة؟ ومَن بناها؟ ولمن (١) كانت؟ فواللَّه ما أُعطيَ أحا مثل ما أُعطِيَ سليمان بن داود، وما مَلَك سليمان بن داود مثل هذه المدينة.

فقيل له: ما علمُ هذا عند أحدٍ من أهل الدُّنيا في زماننا إلَّا عند كعب الأحبار، ومثلُ هذه المدينة لا يستطيع هذا الرَّجل دخولها إلَّا أن يكون سبق في الكتاب دخولُه إيَّاها، فابعَثْ إلى كعبٍ فإنَّه ليس على وجه الأرض أحدٌ اليوم أعلم منه، ولا شيء مضى في الدَّهر ولا يكون بعد اليوم إلَّا وهو في التَّوراة مفسَّر، فليبعَثْ إليه أمير المؤمنين، فإنَّه سيجد خبرَها عنده.

فأرسل معاويةُ إلى كعبٍ رحمه اللَّه، فلمَّا أتاه قال له: يا أبا إسحاق، إنِّي دعوتُكَ لأمرٍ رجوْتُ أن يكون عندَكَ علمُه، فقال: على الخبير سقطْتَ، فسلني عمَّا بدا لك، فقال: هل بلغَكَ أنَّ في الدُّنيا مدينةٌ مبنيَّةٌ بذهب وفضَّة، وعمدها زبرجدٌ وياقوت، وحصباءُ (٢) قصورها وغرفها اللُّؤلؤ، وأنهارها في الأزقَّة تحت الأشجار؟

فقال: والذي نفسُ كعبٍ (٣) بيدِه، لقد ظننْتُ أنِّي سأتوسَّد يميني قبل أن يسألني أحدٌ عن تلك المدينة، وما فيها، ولمن هي؟ ولكن أخبرُكَ بها، أَمَا إنّها حَقٌّ على ما


(١) في (أ) و (ر): "وإن".
(٢) في (ف): "وحصى".
(٣) في (أ): "محمد".