للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بلغَكَ، وأمَّا صاحبُها الذي بناها فشدَّاد بن عاد، وأمَّا المدينة فهي إرم ذات العماد التي وصفَها اللَّه تعالى في كتابه المنزَّل على محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ}.

فقال معاوية: حدِّثنا بحديثِها رحمَك اللَّه.

فقال: إنَّ عادًا الأولى ليسَ عادَ قومِ هودٍ، ولكنْ عادٌ الأولى إنما هود وقوم هود ولدُ ذلك، وكان عادٌ له ابنان: شديد وشدَّاد، فهلك عادٌ، وبقَيا وتجبَّرا ومَلَكا وقَهَرا العباد عنوة، حتى دان لهما جميع النَّاس، ولم يبقَ في المشرق والمغرب أحدٌ إلَّا وهو في طاعتهما، ثمَّ ماتَ شديدٌ، وبقي شدَّاد، فملَكَ وحدَه، ولم ينازِعْه أحدٌ.

وكان مُوْلعًا بقراءة الكتب الأولى الغائبة (١)، وكلَّما مَرَّ فيه بذكر الجنَّة وما سمع ممَّا هو فيها من البنيان والياقوت واللُّؤلؤ دعَتْه نفسُه إلى أن يفعل لنفسه (٢) تلك الصِّفة في الدُّنيا؛ عُتُوًّا على اللَّه، فلمَّا وَقَرَ ذلك في قلبِه أمر بصنعةِ تلك المدينة، فأمَّر على صنعتها مئة قهرمان، مع كل قهرمان ألفٌ (٣) من الأعوان.

ثم قال: انطلقوا إلى أطيب فلاة في الأرض وأوسعها، واعملوا لي فيها مدينة من ذهبٍ وفضَّة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ، تحت المدينة أعمدة من زبرجد، وعلى المدينة قصورٌ، ومن فوق القصور غرفٌ، واغرِسوا تحت تلك القصور في أزقَّتها أصنافَ الثِّمار كلِّها، وأَجْروا فيها الأنهار حتى تكون تحت الأشجار؛ فإنِّي أسمع في الكتب صفة الجنَّة، وإنِّي أحبُّ أن أجعل مثلها في الدُّنيا، وأتعجَّل سكناها.


(١) "الغائبة" من (أ) و (ف)، وفي "العظمة": (الفانية)، وليست عند الثعلبي.
(٢) "لنفسه" من (ف). وفي "العظمة": (دعته نفسه أن يقلد).
(٣) في (ف): "مئة ألف"، والمثبت من باقي النسخ والمصدرين المذكورين.