بقوله تعالى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}[الأنعام: ١٠٣]، ولولا قولُهم بعدمِ رؤيةِ الباري لَمَا حملوا هذه الآيةَ على تلك.
وممَّا ينبغي أن يُعلم أيضًا: أن تفسيرَ القرآن بالقرآنِ هو أحدُ طرقِ التفسير، وثمةَ طرقٌ أخرى لتفسيرِ القرآنِ منها التفسيرُ بالمأثور والتفسيرُ بالرأي، والمفسِّرون بشكلٍ عامٍّ يعتمِدون في تفاسيرهم جميعَ أنواعِ التفسير، وقلَّما يَقتصرُ تفسيرٌ على لونٍ واحدٍ، وعلى هذا فتفسيرُ القرآنِ بالقرآنِ لا شكَّ موجودٌ في كلِّ التفاسير المعتبَرة عند أهلِ السُّنَّة والجماعة، وإنَّما الذي يختلِفُ هو نسبةُ اعتمادِ هذه الطريقةِ بالقياسِ إلى غيرِها مِن طرقِ التفسير، فابنُ كثيرٍ رحمه اللَّه -مثلًا- وهو ممَّن أكثرَ من اعتمادِ هذه الطريقةِ في التفسير قد عُرف تفسيرُه من ناحية أخرى بأنه مِن أشهَرِ ما دوِّن في التفسيرِ بالمأثور.
وكذلك هذا التفسيرُ فإنك تجدُ فيه كلَّ أنواع التفسير، لكنْ من أهمِّ ما تميَّز به إنْ لم يكن أهمَّها هو هذا الأسلوبُ من التفسير، فقد قطَع فيه المؤلِّفُ شوطًا لم يُسبَقْ إليه ولم يُلْحَقْ فيه، وتفنَّنَ فيه تفنُّنَ الحاذق المتمكِّنِ من المعاني القرآنيِّة والآياتِ الربَّانيَّة، الأمرُ الذي يدلُّ على فكرٍ ثاقبٍ وقلبٍ خاشعٍ وعقلٍ قد فتَح اللَّه عليه أنوارَ العلمِ والاستنباط، وقد كنَّا أشرنا إليه في ذكرِ مميِّزات هذا التفسيرِ، وحان الآن بيانُه والخوضُ فيه:
وأبسطُ أنواعِ تفسيرِ القرآنِ بالقرآن هو أن يُؤتى في تفسيرِ آيةٍ بآيةٍ أخرى تُوافقُها في المعنى إرادةً لتفسيرِ هذه بتلك، وهذا أمرٌ موجود في غالبِ التفاسير كما ذكرنا، لكنْ ما يميَّز هذا التفسير هو تفرده بتفسير آيات بآيات لم ترد عند غيره، ومن أمثلة ذلك: