للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: ما جعلنا لارتباط هذه الأجناس حظا فى استحقاق مرتبطيها مدحا ولا ذما؛ وإنما قلنا: إنه غير ممتنع أن تجرى عادة المؤمنين الموالين لأولياء الله تعالى والمعادين لأعدائه بأن يألفوا ارتباط أجناس من الطير. وكذلك تجرى عادة بعض أعداء الله تعالى باتخاذ بعض أجناس الطير؛ فيكون متخذ بعضها ممدوحا؛ لا من أجل اتخاذه؛ لكن لما هو عليه من الاتخاذ الصحيح؛ فيضاف المدح إلى هذه الأجناس وهو لمرتبطيها، والنطق بالتسبيح والدعاء الصحيح إليها وهو لمتخذها تجوزا واتساعا. وكذلك القول فى الذم المقابل للمدح.

فإن قيل: فلم نهى عن اتخاذ بعض هذه الأجناس إذا كان الذم لا يتعلق باتخاذها، وإنما يتعلق ببعض متخذيها

لكفرهم وضلالهم؟

قلنا: يجوز أن يكون فى اتخاذ هذه البهائم المنهىّ عن اتخاذها وارتباطها مفسدة وليس يقبح خلقها فى الأصل لهذا الوجه؛ لأنها خلقت لينتفع بها من سائر وجوه الانتفاع سوى الارتباط والاتخاذ الّذي لا يمنع تعلق المفسدة به.

ويجوز أيضا أن يكون فى اتخاذها هذه الأجناس المنهىّ عنها شؤم وطيرة؛ فللعرب فى ذلك مذهب معروف. ويصح هذا النهى أيضا على مذهب من نفى الطّيرة على التحقيق؛ لأنّ الطّيرة والتشاؤم- وإن كان لا تأثير لهما على التحقيق- فإن النفوس تستشعر ذلك، ويسبق إليها ما يجب على كل حال تجنّبه والتوقى عنه (١)؛ وعلى هذا يحمل معنى قوله عليه السلام: «لا يورد ذو عاهة على مصحّ».

فأما تحريم السمك الجرّىّ وما أشبهه فغير ممتنع لشيء يتعلق بالمفسدة فى تناوله؛ كما نقول فى سائر المحرمات. فأما القول بأن الجرّىّ نطق بأنه مسخ بجحده الولاية فهو مما يضحك منه ويتعجب (٢) من قائله، والملتفت إلى مثله.

فأما تحريم الدّب والقرد والفيل فكتحريم كلّ محرّم فى الشريعة، والوجه فى التحريم لا يختلف؛ والقول بأنها ممسوخة إذا تكلّفنا حملناه على أنها كانت على خلق حميدة (٣) غير


(١) من نسخة بحاشيتى ف، ط: «منه».
(٢) من نسخة بحاشيتى ف، ط: «يعجب».
(٣) من نسخة بحاشيتى ف، ط: «جميلة».