منفور عنها، ثم جعلت على هذه الصّورة الشّنيئة على سبيل التنفير عنها، والزيادة فى الصّدّ عن الانتفاع بها؛ لأن بعض الأحياء لا يجوز أن يكون غيره على الحقيقة. والفرق بين كل حيين معلوم ضرورة، فكيف يجوز أن يصير حىّ حيا آخر غيره؟ وإذا أريد بالمسخ هذا فهو باطل، وإن أريد غيره نظرنا فيه.
وأما البطيخة فقد يجوز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام لما ذاقها ونفر عن طعمها؛ وزادت كراهيته لها قال:«من النار وإلى النار»، أى هذا من طعام أهل النار، وما يليق بعذاب أهل النار، كما يقول أحدنا ذلك فيما يستوبئه ويكرهه.
ويجوز أن يكون فوران الدّخان عند الإلقاء لها كان على سبيل التصديق، لقوله عليه السلام:
«من النار إلى النار» وإظهار معجز له.
وأما ذمّ الأرضين السّبخة، والقول بأنها جحدت الولاية؛ فمتى لم يكن محمولا معناه على ما قدمناه من جحد أهل هذه الأرض وسكانها الولاية لم يكن معقولا؛ ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ.
وأما إضافة اعتقاد الحق إلى بعض البهائم واعتقاد الباطل والكفر إلى بعض آخر فمما تخالفه العقول والضرورات؛ لأن هذه البهائم غير عاقلة ولا كاملة ولا مكلّفة، فكيف تعتقد حقا أو باطلا! وإذا ورد أثر فى ظاهره شيء من هذه المحاولات؛ إما اطّرح أو تؤوّل على المعنى الصحيح. وقد نهجنا طريق التأويل، وبيّنا كيف التوصل إليه.
فأما حكايته تعالى عن سليمان عليه السلام: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ فالمراد به أنه علّم ما يفهم به ما ينطق به الطير؛ وتتداعى فى أصواتها وأغراضها ومقاصدها؛ بما يقع منها من صياح؛ على سبيل المعجزة لسليمان عليه السلام.
فأما الحكاية عن النملة بأنها قالت: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ؛ [النمل: ١٨] فقد يجوز أن يكون المراد به أنه ظهر منها دلالة القول