للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال المرتضى أدام الله علوّه: ومما يشاكل قوله: «إلى الجنة» فى جواب قول النبي صلى الله عليه وآله: «أين المظهر يا أبا ليلى» - وإن كان يتضمّن العكس من معناه- ما روى من دخول الأخطل على عبد الملك بن مروان، مستغيثا من فعل الجحّاف السّلمىّ، وأنه أنشده:

لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة ... إلى الله منها المشتكى والمعوّل (١)

/ فإن لم تغيّرها قريش بملكها ... يكن عن قريش مستماز ومزحل (٢)

فقال عبد الملك له: إلى أين يا ابن اللّخناء؟ فقال: إلى النار، قال: لو قلت غيرها لقطعت لسانك.

فقوله: «النار» تخلّص مليح على البديهة، كما تخلّص الجعدىّ بقوله: «إلى الجنة».

وأول قصيدة الجعدىّ الّذي ذكرنا منها الأبيات:

خليلىّ غضّا ساعة وتهجّرا (٣) ... ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا

ولا تسألا، إنّ الحياة قصيرة ... فطيرا لروعات الحوادث أوقرا

وإن كان أمر لا تطيقان دفعه ... فلا تجزعا مما قضى الله واصبرا

ألم تعلما أنّ الملامة نفعها ... قليل إذا ما الشّيء ولى فأدبرا (٤)

لوى الله علم الغيب عمّن سواءه ... ويعلم منه ما مضى وتأخّرا

وفيها يقول:

وجاهدت حتّى ما أحسّ ومن معى ... سهيلا إذا ما لاح ثمّ تغوّرا

- يريد: إنى كنت بالشام، وسهيل لا يكاد يرى هناك، وهذا بيت معنى- وفيها يقول:

ونحن أناس لا نعوّد خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا


(١) ديوانه: ١٠ والطبقات: ٤١٢، والبشر: جبل بالجريرة، يمتد من عرض الفرات إلى أرض الشام، وهو الجحاف بن حكيم السلمى، وانظر خبره وقصة يوم البشر فى الأغانى ١١: ٥٥ - ٦٠.
(٢) يقال: امتاز القوم إذا تنحى عصابة منهم ناحية، وكذلك استماز؛ ذكره صاحب اللسان واستشهد بالبيت. والمزحل: الموضع: الّذي ينزحل إليه؛ أى يتنحى ويتباعد. وانظر اللسان (ميز- زحل).
(٣) التهجر: السير فى الهاجرة.
(٤) حاشية ت: «بعده:
يهيج اللحاء والملامة ثم ما ... يقرّب منّا غير ما كان قدّرا.