للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تميت به ألبابنا وقلوبنا ... مرارا، وتحييهنّ بعد همود

إذا نطقت صحنا، وصاح لنا الصّدى ... صياح جنود وجّهت لجنود

ظللنا بذاك الدّيدن اليوم كلّه ... كأنا من الفردوس تحت خلود (١)

ولا بأس إلّا أنّنا عند أهلنا ... شهود، وما ألبابنا بشهود

قال: وأنشدنى أبى له فى وصف مغنية:

لعمرو أبى زوّارها الصّيد إنّهم ... لفى منظر منها وحسن سماع (٢)

تصلّى لها آذاننا وعيوننا ... إذا ما التقينا والقلوب دواع

وصفراء مثل الخيزرانة لم تعش ... ببؤس ولم تركب مطيّة راع

جرى اللؤلؤ المكنون فوق لسانها ... لزوّارها من مزهر ويراع (٣)

إذا قلّدت أطرافها (٤) العود زلزلت ... قلوبا دعاها للوساوس داع

كأنّهم فى جنّة قد تلاحقت ... محاسنها من روضة ويفاع (٥)

يروحون من تغريدها وحديثها ... نشاوى، وما تسقيهم بصواع

لعوب بألباب الرّجال، وإن دنت ... أطيع التقى، والغىّ غير مطاع

قال على بن هارون: الصّواع: المكيال؛ يقول: إذا غنّت شربوا جزافا بلا كيل ولا مقدار من حسن ما يسمعون.

قال سيدنا أدام الله علوه: هذا خطأ منه؛ وإنما المراد أن غناءها لفرط حسنه (٦) وشدة (٧) إطرابه ينسيان شرّة الخمر (٨)؛ وإن لم يكن هناك شرب بصواع، وهذا يجرى مجرى قول الشاعر:


(١) الديدن: العادة.
(٢) المختار من شعر بشار: ٣١٤.
(٣) هذا البيت ساقط من م. المزهر: العود، واليراع: القصب؛ وأراد به هاهنا المزمار. وفى حاشية الأصل: «هذا البيت يفيد أنها تغنى وتضرب بالمزهر، وقوله: «من مزهر ويراع» إشارة إلى أن كلامهما مختلط الجرس بنقر المزهر واليراع».
(٤) رواية المختار: «إذا قلبت أطرافها».
(٥) اليفاع: المرتفع من الأرض.
(٦) حاشية الأصل (من نسخة): «حسنها».
(٧) حاشية الأصل (من نسخة): «سورة إطرابه».
(٨) حاشية الأصل: «فى نسخة الشجرى: الهم».