ثَبَتَ أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ حَيْثُمَا ذُكِرَتْ، وَأَنَّهَا آيَةٌ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ، وَهَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ سُورَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَمِنْ كُلِّ سُورَةٍ يُسْتَفْتَحُ بِهَا، مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمِلَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهَا فِي سَائِرِ السِّوَرِ فَاتِحَةٌ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ، فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ بَيِّنٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ ; اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لَا عَمْدًا، وَلَا سَهْوًا، إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى، فَنَسِيَ الْقِرَاءَةَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؟ فَقِيلَ: حَسَنٌ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ إِذًا، وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ عِنْدَهُمْ، أَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَإِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا يُقْرَأُ فِي صَلَاةِ السِّرِّ، وَأَنَّهُ قَالَ: «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَوَاتٍ، وَسَكَتَ فِي أُخْرَى» ، فَنَقْرَأُ فِيمَا قَرَأَ وَنَسْكُتُ فِيمَا سَكَتَ، وَسُئِلَ هَلْ فِي الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ قِرَاءَةٌ؟ فَقَالَ: لَا.
وَأَخَذَ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ خَبَّابٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، قِيلَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ» وَتَعَلَّقَ الْكُوفِيُّونَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَرْكِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنَ الصَّلَاةِ لِاسْتِوَاءِ صَلَاةِ الْجَهْرِ وَالسِّرِّ فِي سُكُوتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ ذَلِكَ أُمُّ الْقُرْآنِ لِمَنْ حَفِظَهَا، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا لَيْسَ فِيهِ تَوْقِيتٌ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ أَوْجَبَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا فِي أَكْثَرِ الصَّلَاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا فِي نِصْفِ الصَّلَاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا فِي رَكْعَةٍ مِنَ الصَّلَاةِ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إِنْ قَرَأَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ أَجَزَأَتْهُ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى أَنَّهَا تُجْزِي فِي رَكْعَةٍ، فَمِنْهُمُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُ إِنَّمَا هُوَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَيُّ آيَةٍ اتَّفَقَتْ أَنْ تُقْرَأَ، وَحَدَّ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةً طَوِيلَةً مِثْلَ آيَةِ الدَّيْنِ، وَهَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، فَيُسْتَحَبُّ عِنْدَهُ التَّسْبِيحُ فِيهِمَا دُونَ الْقِرَاءَةِ، وَبِهِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ.
وَالْجُمْهُورُ يَسْتَحِبُّونَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا كُلِّهَا.
وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ: تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمُعَارَضَةُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ لِلْأَثَرِ، أَمَّا الْآثَارُ الْمُتَعَارِضَةُ فِي ذَلِكَ، فَأَحَدُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتُ: «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَصَلَّى، ثُمَّ جاء
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute