إِنْسَانٌ فَرَسًا بِثِيَابٍ هُوَ أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ الْفَرَسِ إِلَى الْأَفْرَاسِ هِيَ نِسْبَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إِلَى الثِّيَابِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفَرَسُ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الثِّيَابُ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ، فَلْيَكُنْ مَثَلًا الَّذِي يُسَاوِي هَذَا الْقَدْرَ عَدَدُهَا هُوَ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ، فَإِذَنْ اخْتِلَافُ هَذِهِ الْمَبِيعَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فِي الْعَدَدِ وَاجِبَةٌ فِي الْمُعَامَلَةِ الْعَدَالَةُ، (أَعْنِي: أَنْ يَكُونَ عَدِيلُ فَرَسٍ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي الْمِثْلِ) .
وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْمَكِيلَةُ وَالْمَوْزُونَةُ: فَلَمَّا كَانَتْ لَيْسَتْ تَخْتَلِفُ كُلَّ الِاخْتِلَافِ، وَكَانَتْ مَنَافِعُهَا مُتَقَارِبَةً لَمْ تَكُنْ حَاجَةً ضَرُورِيَّةً لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا صِنْفٌ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ بِذَلِكَ الصِّنْفِ بِعَيْنِهِ إِلَّا عَلَى جِهَةِ السَّرَفِ؛ كَانَ الْعَدْلُ فِي هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِوُجُودِ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ، أَوِ الْوَزْنِ إِذْ كَانَتْ لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْمَنَافِعِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْعَ التَّفَاضُلِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ فِيهَا تَعَامُلٌ لِكَوْنِ مَنَافِعِهَا غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ، وَالتَّعَامُلُ إِنَّمَا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ فِي الْمَنَافِعِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَإِذَنْ مَنْعُ التَّفَاضُلِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (أَعْنِي الْمَكِيلَةَ، وَالْمَوْزُونَةَ) عِلَّتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: وُجُودُ الْعَدْلِ فِيهَا.
وَالثَّانِيَةُ: مَنْعُ الْمُعَامَلَةِ إِذَا كَانَتِ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مِنْ بَابِ السَّرَفِ.
وَأَمَّا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ فَعِلَّةُ الْمَنْعِ فِيهَا أَظْهَرُ إِذْ كَانَتْ هَذِهِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الرِّبْحُ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهَا تَقْدِيرُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَهَا مَنَافِعُ ضَرُورِيَّةٌ. وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْكَيْلَ وَالطُّعْمَ، وَهُوَ مَعْنًى جَيِّدٌ لِكَوْنِ الطُّعْمِ ضَرُورِيًّا فِي أَقْوَاتِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حِفْظُ الْعَيْنِ وَحِفْظُ السَّرَفِ فِيمَا هُوَ قُوتٌ أَهَمَّ مِنْهُ فِيمَا لَيْسَ هُوَ قُوتًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الرِّبَا الْأَجْنَاسَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَعَنْ بَعْضِهِمُ الِانْتِفَاعَ مُطْلَقًا (أَعْنِي: الْمَالِيَّةَ) ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ.
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا النَّسَاءُ]
فَيَجِبُ مِنْ هَذَا أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ امْتِنَاعِ النَّسِيئَةِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ هِيَ الطُّعْمُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ مِمَّا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ، فَإِنَّ عِلَّةَ مَنْعِ النَّسِيئَةِ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ هُوَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ الْمُتَّفِقُ الْمَنَافِعِ مَعَ التَّفَاضُلِ، وَلَيْسَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَسِيئَةٌ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَعِلَّةُ مَنْعِ النَّسَاءِ عِنْدَهُ هُوَ الْكَيْلُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَفِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ مُتَفَاضِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُتَفَاضِلٍ، وَقَدْ يَظْهَرُ مِنَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَمْنَعُ النَّسِيئَةَ فِي هَذِهِ، لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute