الْقَاضِي فِي الْمَذْهَبِ مَا هِيَ شَرْطٌ فِي الْجَوَازِ، فَهَذَا إِذَا وُلِّيَ عُزِلَ وَفُسِخَ جَمِيعُ مَا حَكَمَ بِهِ. وَمِنْهَا مَا هِيَ شَرْطٌ فِي الِاسْتِمْرَارِ وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْجَوَازِ، فَهَذَا إِذَا وَلِيَ الْقَضَاءَ عُزِلَ وَنَفَذَ مَا حَكَمَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا. وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ عِنْدَهُمْ هَذِهِ الثَّلَاثُ صِفَاتٍ.
وَمِنْ شَرْطِ الْقَضَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا. وَالشَّافِعِيُّ يُجِيزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمِصْرِ قَاضِيَانِ اثْنَانِ إِذَا رُسِمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَحْكُمُ فِيهِ، وَإِنْ شُرِطَ اتِّفَاقُهُمَا فِي كُلِّ حُكْمٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ شُرِطَ الِاسْتِقْلَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَوَجْهَانِ: الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ. قَالَ: وَإِذَا تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي اخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ يَقْتَرِعَا عِنْدَهُ.
وَأَمَّا فَضَائِلُ الْقَضَاءِ فَكَثِيرَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا النَّاسُ فِي كُتُبِهِمْ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْأُمِّيِّ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا؟ وَالْأَبْيَنُ جَوَازُهُ؛ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمِّيًّا، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِ لِمَوْضِعِ الْعَجْزِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ حُكْمِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَتَوْلِيَتُهُ لِلْقَاضِي شَرْطٌ فِي صِحَّةِ قَضَائِهِ، لَا خِلَافَ أَعْرِفُ فِيهِ.
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي نُفُوذِ حُكْمِ مَنْ رَضِيَهُ الْمُتَدَاعِيَانِ مِمَّنْ لَيْسَ بِوَالٍ عَلَى الْأَحْكَامِ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَجُوزُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ إِذَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ قَاضِي الْبَلَدِ.
[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ مَا يَقْضِي بِهِ]
ِ وَأَمَّا فِيمَا يُحْكَمُ فَاتَّفَقُوا أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْحُقُوقِ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ أَوْ حَقًّا لِلْآدَمِيِّينَ، وَأَنَّهُ نَائِبٌ عَنِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّهُ يَعْقِدُ الْأَنْكِحَةَ وَيُقَدِّمُ الْأَوْصِيَاءَ. وَهَلْ يُقَدِّمُ الْأَئِمَّةَ فِي الْمَسَاجِدِ الْجَامِعَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَكَذَلِكَ هَلْ يَسْتَخْلِفُ؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ. وَلَيْسَ يَنْظُرُ فِي الْحَيَاةِ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوُلَاةِ، وَيَنْظُرُ فِي التَّحْجِيرِ عَلَى السُّفَهَاءِ عِنْدَ مَنْ يَرَى التَّحْجِيرَ عَلَيْهِمْ.
وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْبَابِ هَلْ مَا يَحْكُمُ فِيهِ الْحَاكِمُ يُحِلُّهُ لِلْمَحْكُومِ لَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ حَلَالًا؟ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ الظَّاهِرِ الَّذِي يَعْتَرِيهِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا. وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute