وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ أَجَازَ التِّسْعَ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ - أَعْنِي: جَمْعَ الْأَعْدَادِ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣]-.
[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي مَانِعِ الْجَمْعِ]
- وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِعَقْدِ نِكَاحٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْفُقَهَاءُ عَلَى مَنْعِهِ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] لِعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي آخِرِ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَيُحْتَمَلَ أَنْ يَعُودَ لِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنَ التَّحْرِيمِ إِلَّا مَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ، فَيَخْرُجُ مِنْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] . مِلْكُ الْيَمِينِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَّا إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، فَيَبْقَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] عَلَى عُمُومِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ عَلَّلْنَا ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْأُخُوَّةِ أَوْ بِسَبَبٍ مَوْجُودٍ فِيهِمَا.
وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ قَالُوا بِالْمَنْعِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ إِذَا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا بِنِكَاحٍ وَالْأُخْرَى بِمِلْكِ يَمِينٍ، فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا، لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَوَاتُرِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» . وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَمَّةَ هَا هُنَا هِيَ كُلُّ أُنْثَى هِيَ أُخْتٌ لِذَكَرٍ لَهُ عَلَيْكَ وِلَادَةٌ، إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ ذَكَرٍ آخَرَ، وَأَنَّ الْخَالَةَ: هِيَ كُلُّ أُنْثَى هِيَ أُخْتٌ لِكُلِّ أُنْثَى لَهَا عَلَيْكَ وِلَادَةٌ، إِمَّا بِنَفْسِهَا، وَإِمَّا بِتَوَسُّطِ أُنْثَى غَيْرِهَا، وَهُنَّ الْحُرَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، أَمْ هُوَ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ؟ وَالَّذِينَ قَالُوا: هُوَ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ اخْتَلَفُوا أَيُّ عَامٍّ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ؟ فَقَالَ قَوْمٌ - وَهُمُ الْأَكْثَرُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: هُوَ خَاصٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَقَطْ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِ مَنْ نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ خَاصٌّ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ مُحَرَّمَةٌ أَوْ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ، فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍّ أَوْ عَمَّةٍ، وَلَا بَيْنَ ابْنَتي خَالٍ أَوْ خَالَةٍ، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ عَمِّهَا أَوْ بِنْتِ عَمَّتِهَا، أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِنْتِ خَالَتِهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّمَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قُرَابَةٌ مُحَرِّمَةٌ، أَعْنِي: لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى لَمْ يَجُزْ لَهُمَا أَنْ يَتَنَاكَحَا. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنِ اشْتَرَطَ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُعْتَبَرَ هَذَا مِنَ الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا - أَعْنِي: إِذَا جُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute