[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ أَفْعَالِهِمْ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَازَةِ]
الْبَابُ الثَّالِثُ.
فِي مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ أَفْعَالِهِمْ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَازَةِ
وَالنَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَجُوزُ لِصِنْفٍ صِنْفٍ مِنَ الْمَحْجُورِينَ مِنَ الْأَفْعَالِ، وَإِذَا فَعَلُوا فَكَيْفَ حُكْمُ أَفْعَالِهِمْ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَازَةِ، وَكَذَلِكَ أَفْعَالُ الْمُهْمِلِينَ (وَهُمُ الَّذِينَ بَلَغُوا الْحُلُمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا وَصِيٍّ) ، وَهَؤُلَاءِ كَمَا قُلْنَا: إِمَّا صِغَارٌ، وَإِمَّا كِبَارٌ مُتَّصِلُو الْحَجْرِ مِنَ الصِّغَرِ، وَإِمَّا مُبْتَدَأٌ حَجْرُهُمْ.
فَأَمَّا الصِّغَارُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنَ الرِّجَالِ، وَلَا الْمَحِيضَ مِنَ النِّسَاءِ، فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ مَعْرُوفٌ مِنْ هِبَةٍ، وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَا عَطِيَّةٍ، وَلَا عِتْقٍ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْأَبُ فِي ذَلِكَ، أَوِ الْوَصِيُّ، فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى نَظَرِ وَلِيِّهِ إِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ، فَإِنْ رَآهُ رُشْدًا أَجَازَهُ، وَإِلَّا أَبْطَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ قُدِّمَ لَهُ وَلِيٌّ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ عَمِلَ فِي ذَلِكَ - حَتَّى يَلِيَ أَمْرَهُ - كَانَ النَّظَرُ إِلَيْهِ فِي الْإِجَازَةِ، أَوِ الرَّدِّ.
وَاخْتُلِفَ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ سَدَادًا، وَنَظَرًا فِيمَا كَانَ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَنْ يَفْعَلَهُ: هَلْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ إِذَا آلَ الْأَمْرُ إِلَى خِلَافٍ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، أَوْ نَمَاءٍ فِيمَا بَاعَهُ، أَوْ نُقْصَانٍ فِيمَا ابْتَاعَهُ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ، وَيَلْزَمُ الصَّغِيرَ مَا أَفْسَدَ فِي مَالِهِ مِمَّا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا أَفْسَدَ، وَكَسَّرَ مِمَّا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ ورُشْدَهُ عِتْقُ مَا حَلَفَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي صِغَرِهِ وَحَنِثَ بِهِ فِي صِغَرِهِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا حَنِثَ فِيهِ فِي كِبَرِهِ وَحَلَفَ بِهِ فِي صِغَرِهِ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: يَلْزَمُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِيمَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ يَمِينٌ.
وَاخْتُلِفَ إِذَا كَانَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ: هَلْ يَحْلِفُ مَعَهُ؟ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ أَنَّهُ يَحْلِفُ.
وَحَالُ الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ كَالذَّكَرِ مَا لَمْ تَعْنَسْ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَعْتَبِرُ تَعْنِيسَهَا. فأَمَّا السَّفِيهُ الْبَالِغُ: فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، أَوْ خَالَعَهَا مَضَى طَلَاقُهُ، وَخُلْعُهُ، إِلَّا ابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَأَبَا يُوسُفَ، وَخَالَفَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي الْعِتْقِ فَقَالَ: إِنَّهُ يَنْفُذُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّهُ لَا يَنْفُذُ.
وَأَمَّا وَصِيَّتُهُ: فَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي نُفُوذِهَا، وَلَا تَلْزَمُهُ هِبَةٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا عَطِيَّةٌ، وَلَا عِتْقٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْمَعْرُوفِ إِلَّا أَنْ يُعْتِقَ أُمَّ وَلَدِهِ، فَيَلْزَمُهُ عِتْقُهَا، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَهَلْ يَتْبَعُهَا مَالُهَا؟ فِيهِ خِلَافٌ: قِيلَ: يَتْبَعُ، وَقِيلَ: لَا يَتْبَعُ، وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بِعِوَضٍ: فَهُوَ أَيْضًا مَوْقُوفٌ عَلَى نَظَرِ وَلَيِّهِ إِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ قُدِّمَ لَهُ وَلِيٌّ، فَإِنْ رَدَّ بَيْعَهُ الْوَلِيُّ وَكَانَ قَدْ أَتْلَفَ الثَّمَنَ لَمْ يُتْبِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَتْلَفَ عَيْنَ الْمَبِيعِ.
وَأَمَّا أَحْكَامُ أَفْعَالِ الْمَحْجُورِينَ، أَوِ الْمُهْمِلِينَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ: فَإِنَّهَا تَنْقَسِمُ إِلَى أَرْبَع أَحْوَالٍ: ١ - فَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ أَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا هُوَ رُشْدٌ.
٢ - وَمِنْهُمْ ضِدُّ هَذَا، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَحْمُولَةً عَلَى الرُّشْدِ، وَإِنْ ظَهَرَ فِيهَا مَا هُوَ سَفَهٌ.
٣ - وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ