للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحَرِّمُ الزِّنَى مَا يُحَرِّمُ النِّكَاحُ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ مِثْل قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُحَرِّمُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: أَصْحَابُ مَالِكٍ يُخَالِفُونَ ابْنَ الْقَاسِمِ فِيهَا، وَيَذْهَبُونَ إِلَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ اللَّيْثِ أَنَّ الْوَطْءَ بِشُبْهَةٍ لَا يُحَرِّمُ، وَهُوَ شَاذٌّ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ الِاشْتِرَاكُ فِي اسْمِ النِّكَاحِ، أَعْنِي: فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ. فَمَنْ رَاعَى الدَّلَالَةَ اللُّغَوِيَّةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: ٢٢]- قَالَ: يُحَرِّمُ الزِّنَى. وَمَنْ رَاعَى الدَّلَالَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَالَ: لَا يُحَرِّمُ الزِّنَى. وَمَنْ عَلَلَ هَذَا الْحُكْمَ بِالْحُرْمَةِ الَّتِي بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ، وَبَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ - قَالَ: يُحَرِّمُ الزِّنَى أَيْضًا. وَمَنْ شَبَّهَهُ بِالنَّسَبِ قَالَ: لَا يُحَرِّمُ؛ لِإِجْمَاعِ الْأَكْثَرِ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ لَا يَلْحَقُ بِالزِّنَى.

وَاتَّفَقُوا فِيمَا حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ يُحَرَّمُ مِنْهُ مَا يُحَرِّمُ الْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْثِيرِ الْمُبَاشَرَةِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي النِّكَاحِ.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَانِعِ الرَّضَاعِ]

ِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ بِالْجُمْلَةِ يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، أَعْنِي أَنَّ الْمُرْضِعَةَ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْأُمِّ، فَتَحْرُمُ عَلَى الْمُرْضَعِ هِيَ وَكُلُّ مَنْ يَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ مِنْ قِبَلِ أُمِّ النَّسَبِ.

وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ، الْقَوَاعِدُ مِنْهَا تِسْعٌ:

إِحْدَاهَا: فِي مِقْدَارِ الْمُحَرِّمِ مِنَ اللَّبَنِ.

وَالثَّانِيَةُ: فِي سِنِّ الرَّضَاعِ.

وَالثَّالِثَةُ: فِي حِلِّ الْمُرْضَعِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ لِلرَّضَاعِ الْمُحَرَّمِ وَقْتًا خَاصًّا.

وَالرَّابِعَةُ: هَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ وُصُولُهُ بِرَضَاعِ وَالْتِقَامِ الثَّدْيِ؟ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ؟

وَالْخَامِسَةُ: هَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُخَالَطَةُ؟ أَمْ لَا يُعْتَبَرُ؟

وَالسَّادِسَةُ: هَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْوُصُولُ مِنَ الْحَلْقِ؟ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ؟

وَالسَّابِعَةُ: هَلْ يُنَزَّلُ صَاحِبُ اللَّبَنِ - أَعْنِي: الزَّوْجَ - مِنَ الْمُرْضَعِ مَنْزِلَةَ أَبٍ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ لَبَنَ الْفَحْلِ؟ أَمْ لَيْسَ يُنَزَّلُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ أَبٍ؟

وَالثَّامِنَةُ: الشَّهَادَةُ عَلَى الرَّضَاعِ.

وَالتَّاسِعَةُ: صِفَةُ الْمُرْضِعَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: أَمَّا مِقْدَارُ الْمُحَرِّمِ مِنَ اللَّبَنِ فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا فِيهِ بِعَدَمِ التَّحْدِيدِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَؤُلَاءِ يُحَرِّمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>