[الْبَابُ الثَّانِي فِي الذَّكَاةِ]
ِ - وَفِي قَوَاعِدِ هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي أَنْوَاعِ الذَّكَاةِ الْمُخْتَصَّةِ بِصِنْفٍ صِنْفٍ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ.
الثَّانِيَةُ: فِي صِفَةِ الذَّكَاةِ.
الْمَسْأَلَةُ الأَوْلَى: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ نَحْرٌ وَذَبْحٌ، وَأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ الذَّبْحَ، وَأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْإِبِلِ النَّحْرَ، وَأَنَّ الْبَقَرَ يَجُوزُ فِيهَا الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ النَّحْرُ فِي الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ، وَالذَّبْحُ فِي الْإِبِلِ؟ فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّحْرُ فِي الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ، وَلَا الذَّبْحُ فِي الْإِبِلِ، وَذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: إِنْ نُحِرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ ذُبِحَ مَا يُنْحَرُ أُكِلَ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ. وَفَرَّقَ ابْنُ بُكَيْرٍ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ، فَقَالَ: يُؤْكَلُ الْبَعِيرُ بِالذَّبْحِ وَلَا تُؤْكَلُ الشَّاةُ بِالنَّحْرِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ الْفِعْلِ لِلْعُمُومِ:
فَأَمَّا الْعُمُومُ: فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» .
وَأَمَّا الْفِعْلُ: فَإِنَّهُ ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَذَبَحَ الْغَنَمَ» .
وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذَبْحِ الْبَقَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] . وَعَلَى ذَبْحِ الْغَنَمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٧] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَأَمَّا صِفَةُ الذَّكَاةِ: فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ الَّذِي يُقْطَعُ فِيهِ الْوَدَجَانِ وَالْمَرِّيءُ وَالْحُلْقُومُ مُبِيحٌ لِلْأَكْلِ. وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ:
أَحَدُهَا: هَلِ الْوَاجِبُ قَطْعُ الْأَرْبَعَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا؟
وَهَلِ الْوَاجِبُ فِي الْمَقْطُوعِ مِنْهَا قَطْعُ الْكُلِّ أَوِ الْأَكْثَرِ؟
وَهَلْ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ أَنْ لَا تَقَعَ الْجَوْزَةُ إِلَى جِهَةِ الْبَدَنِ بَلْ إِلَى جِهَةِ الرَّأْسِ؟
وَهَلْ إِنْ قَطَعَهَا مِنْ جِهَةِ الْعُنُقِ جَازَ أَكْلُهَا أَمْ لَا؟
وَهَلْ إِنْ تَمَادَى فِي قَطْعِ هَذِهِ حَتَّى قَطَعَ النُّخَاعَ جَازَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
وَهَلْ مِنْ شَرْطِ الذَّكَاةِ أَنْ لَا يَرْفَعَ يَدَهُ حَتَّى يُتِمَّ الذَّكَاةَ أَمْ لَا؟
فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ: فِي عَدَدِ الْمَقْطُوعِ، وَفِي مِقْدَارِهِ وَفِي مَوْضِعِهِ وَفِي نِهَايَةِ الْقَطْعِ، وَفِي جِهَتِهِ أَعْنِي: مِنْ قُدَّامٍ أَوْ خَلْفٍ وَفِي صِفَتِهِ.
أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ: فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ هُوَ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومِ، وَأَنَّهُ