وَصُورَتُهُ: أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ شَيْئًا فَيَدْفَعُ إِلَى الْمُبْتَاعِ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ إِنْ نَفَذَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا كَانَ ذَلِكَ الْمَدْفُوعُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفَذْ تَرَكَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الْجُزْءَ مِنَ الثَّمَنِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ; وَإِنَّمَا صَارَ الْجُمْهُورُ إِلَى مَنْعِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ، وَأَكْلِ الْمَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَكَانَ زَيْدٌ يَقُولُ: أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ: ذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[بُيُوعُ الثُّنْيَا]
; وَفِي الِاسْتِثْنَاءِ مَسَائِلُ مَشْهُورَةٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا، (أَعْنِي: هَلْ تَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ عَنِ الثُّنْيَا، أَوْ لَيْسَتْ تَدْخُلُ؟) .
فَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ حَامِلًا وَيَسْتَثْنِيَ مَا فِي بَطْنِهَا، فَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ; وَقَالَ أَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُدُ: ذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ: هَلِ الْمُسْتَثْنَى مَبِيعٌ مَعَ مَا اسْتُثْنِيَ مِنْهُ، أَمْ لَيْسَ بِمَبِيعٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ؟ فَمَنْ قَالَ: مَبِيعٌ قَالَ: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مِنَ الثُّنْيَا الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، لِمَا فِيهَا مِنَ الْجَهْلِ بِصِفَتِهِ، وَقِلَّةِ الثِّقَةِ بِسَلَامَةِ خُرُوجِهِ; وَمَنْ قَالَ: هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ أَجَازَ ذَلِكَ.
وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيمَنْ بَاعَ حَيَوَانًا، وَاسْتَثْنَى بَعْضَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ شَائِعًا، أَوْ مُعَيَّنًا، أَوْ مُقَدَّرًا، فَإِنْ كَانَ شَائِعًا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا إِلَّا رُبْعَهُ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُغَيَّبًا مِثْلَ الْجَنِينِ، أَوْ يَكُونَ غَيْرَ مُغَيَّبٍ، فَإِنْ كَانَ مُغَيَّبًا فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُغَيَّبٍ كَالرَّأْسِ، وَالْيَدِ، وَالرِّجْلِ، فَلَا يَخْلُو الْحَيَوَانُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُسْتَبَاحُ ذَبْحُهُ، أَوْ لَا يَكُونُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ ذَبْحُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ غُلَامًا وَيَسْتَثْنِيَ رِجْلَهُ، لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ، وَلَا مُتَبَعِّضٍ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ مِمَّا يُسْتَبَاحُ ذَبْحُهُ، فَإِنْ بَاعَهُ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ عُضْوًا لَهُ قِيمَةٌ بِشَرْطِ الذَّبْحِ، فَفِي الْمَذْهَبِ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ; وَالثَّانِي يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: جَوَّزَ بَيْعَ الشَّاةِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ الْقَوَائِمِ وَالرَّأْسِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى قِيمَةً فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ بِجِلْدِهِ فَمَا تَحْتَ الْجِلْدِ مُغَيَّبٌ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْتَثْنِهِ بِجِلْدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي بِأَيِّ صِفَةٍ يَخْرُجُ لَهُ بَعْدَ كَشْطِ الْجِلْدِ عَنْهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ اسْتَثْنَى عُضْوًا مُعَيَّنًا مَعْلُومًا، فَلَمْ يَضُرَّهُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْجِلْدِ أَصْلُهُ شِرَاءُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ، وَالْجَوْزِ فِي قِشْرِهِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنَ الْحَيَوَانِ بِشَرْطِ الذَّبْحِ إِمَّا عُرْفًا وَإِمَّا مَلْفُوظًا بِهِ جُزْءًا مُقَدَّرًا مِثْلَ أَرْطَالٍ مِنْ جَزُورٍ، فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute