وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ قِيَاسَ الْمَيِّتِ عَلَى الْحَيِّ، فَمَنْ قَاسَهُ أَوْجَبَ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَحَلْقَ الْعَانَةِ لِأَنَّهَا مِنْ سُنَّةِ الْحَيِّ بِاتِّفَاقٍ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَصْرِ بَطْنِهِ قَبْلَ أَنْ يُغَسَّلَ. فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَهُ. فَمَنْ رَآهُ رَأَى أَنَّ فِيهِ ضَرْبًا مِنَ الِاسْتِنْقَاءِ مِنَ الْحَدَثِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ مِنَ الْمَيِّتِ كَمَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنَ الْحَيِّ. وَمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ رَأَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَمْ يُشْرَعْ، وَأَنَّ الْحَيَّ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ.
[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْأَكْفَانِ]
ِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» . وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ «عَنْ لَيْلَى بِنْتِ قَائِفٍ الثَّقَفِيَّةِ قَالَتْ: " كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَقْوَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخِرِ، قَالَتْ: وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ مَعَهُ أَكْفَانُهَا يُنَاوِلهَا ثَوْبًا ثَوْبًا» .
فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ فَقَالَ: يُكَفَّنُ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، وَالْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقَلُّ مَا تُكَفَّنُ فِيهِ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ، وَالسُّنَّةُ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ، وَأَقَلُّ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ الرَّجُلُ ثَوْبَانِ، وَالسُّنَّةُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ.
وَرَأَى مَالِكٌ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُجْزِئُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فِيهِمَا إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْوِتْرُ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّوْقِيتِ فِي مَفْهُومِ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ، فَمَنْ فَهِمَ مِنْهُمَا الْإِبَاحَةَ لَمْ يَقُلْ بِتوْقِيت إِلَّا أَنَّهُ اسْتَحَبَّ الْوِتْرَ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْوِتْرِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُمَا الْإِبَاحَةَ إِلَّا فِي التَّوْقِيتِ، فَإِنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ شَرْعًا لِمُنَاسَبَتِهِ لِلشَّرْعِ، وَمَنْ فَهِمَ مِنَ الْعَدَدِ أَنَّهُ شَرَعَ الْإِبَاحَةَ قَالَ بِالتَّوْقِيتِ، إِمَّا عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ، وَإِمَّا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَكُلُّهُ وَاسِعٌ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ -، وَلَيْسَ فِيهِ شَرْعٌ مَحْدُودٌ، وَلَعَلَّهُ تَكَلُّفُ شَرْعٍ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ شَرْعٌ، وَقَدْ «كُفِّنَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ بِنَمِرَةٍ، فَكَانُوا إِذَا غَطَّوْا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute