للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ]

ُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] . وَالنَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي السَّبَبِ الْمُحَلِّلِ، وَفِي جِنْسِ الشَّيْءِ الْمُحَلَّلِ، وَفِي مِقْدَارِهِ.

فَأَمَّا السَّبَبُ فَهُوَ ضَرُورَةُ التَّغَذِّي، أَعْنِي: إِذَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا حَلَالًا يَتَغَذَّى بِهِ، وَهُوَ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا السَّبَبُ الثَّانِي: طَلَبُ الْبُرْءِ، وَهَذَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ؛ فَمَنْ أَجَازَهُ احْتَجَّ بِإِبَاحَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحَرِيرَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ لِمَكَانِ حَكَّةٍ بِهِ. وَمَنْ مَنَعَهُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا» .

وَأَمَّا جِنْسُ الشَّيْءِ الْمُسْتَبَاحِ فَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ مُحَرَّمٍ مِثْلَ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِهَا. وَالِاخْتِلَافُ فِي الْخَمْرِ عِنْدَهُمْ هُوَ مِنْ قِبَلِ التَّدَاوِي بِهَا لَا مِنْ قِبَلِ اسْتِعْمَالِهَا فِي التَّغَذِّي، وَلِذَلِكَ أَجَازُوا لِلْعَطْشَانِ أَنْ يَشْرَبَهَا إِنْ كَانَ مِنْهَا رِيٌّ، وَلِلشَّرِقِ أَنْ يُزِيلَ شَرَقَهُ بِهَا.

وَأَمَّا مِقْدَارُ مَا يُؤْكَلُ مِنَ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: حَدُّ ذَلِكَ الشِّبَعُ، وَالتَّزَوُّدُ مِنْهَا حَتَّى يَجِدَ غَيْرَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَأْكُلُ مِنْهَا إِلَّا مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ هَلِ الْمُبَاحُ لَهُ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ هُوَ جَمِيعُهَا؟ أَمْ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ فَقَطْ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَمِيعُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] . وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ إِذَا كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] . وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>