للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا أَنْوَاعُ الْإِجَارَةِ: فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: إِجَارَةُ مَنَافِعِ أَعْيَانٍ مَحْسُوسَةٍ، وَإِجَارَةُ مَنَافِعَ فِي الذِّمَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ. وَالَّذِي فِي الذِّمَّةِ مِنْ شَرْطِهِ الْوَصْفُ، وَالَّذِي فِي الْعَيْنِ مِنْ شَرْطِهِ الرُّؤْيَةُ أَوِ الصِّفَةُ عِنْدَهُ كَالْحَالِ فِي الْمَبِيعَاتِ. وَمِنْ شَرْطِ الصِّفَةِ عِنْدَهُ: ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ، وَذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تُسْتَوْفَى مَنَافِعُهُ، وَفِي الشَّيْءِ الَّذِي تُسْتَوْفَى بِهِ مَنَافِعُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الْمَرْكُوبِ مَثَلًا، وَالْحِمْلُ الَّذِي تُسْتَوْفَى بِهِ مَنْفَعَةُ الْمَرْكُوبِ.

وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الرَّاكِبَ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُوصَفَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحْتَاجُ إِلَى الْوَصْفِ، وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّاعِيَ عَلَى غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ اشْتِرَاطُ الْخُلْفِ. وَعِنْدَ غَيْرِهِ تَلْزَمُ الْجُمْلَةُ بِغَيْرِ شَرْطٍ.

وَمِنْ شَرْطِ إِجَارَةِ الذِّمَّةِ أَنْ يُعَجَّلَ النَّقْدُ عِنْدَ مَالِكٍ لِيَخْرُجَ مِنَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ; كَمَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ إِجَارَةِ الْأَرْضِ غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ السَّقْيِ عِنْدَهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهَا النَّقْدُ إِلَّا بَعْدَ الرَّيِّ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْكِرَاءِ: هَلْ يَدْخُلُ فِي أَنْوَاعِهِ الْخِيَارُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ فِي الصِّنْفَيْنِ مِنَ الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ وَالْمُعَيَّنِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ.

فَهَذِهِ هِيَ الْمَشْهُورَاتُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْوَاقِعَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَهُوَ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَى النَّظَرِ فِي مَجال هَذَا الْعَقْدِ وَأَوْصَافِهِ وَأَنْوَاعِهِ، وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَجْرِي مِنْ هَذَا الْعَقْدِ مَجْرَى الْأَرْكَانِ، وَبِهَا يُوصَفُ الْعَقْدُ إِذَا كَانَ عَلَى الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ بِالصِّحَّةِ، وَبِالْفَسَادِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ، وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي، وَهُوَ أَحْكَامُ هَذَا الْعَقْدِ.

[الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ النَّظَرُ فِي أَحْكَامِ الْإِجَارَاتِ]

الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.

وَهُوَ النَّظَرُ فِي أَحْكَامِ الْإِجَارَاتِ.

وَأَحْكَامُ الْإِجَارَاتِ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنَّهَا بِالْجُمْلَةِ تَنْحَصِرُ فِي جُمْلَتَيْنِ:

الْجُمْلَةُ الْأُولَى: فِي مُوجِبَاتِ هَذَا الْعَقْدِ، وَلَوَازِمِهِ مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ طَارِئٍ عَلَيْهِ.

الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي أَحْكَامِ الطَّوَارِئِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَنْقَسِمُ فِي الْأَشْهَرِ إِلَى مَعْرِفَةِ مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَمَعْرِفَةِ وُجُوبِ الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ، وَمَعْرِفَةِ حُكْمِ الِاخْتِلَافِ.

الْجُمْلَةُ الْأُولَى وَمِنْ مَشْهُورَاتِ هَذَا الْبَابِ:

مَتَّى يَلْزَمُ الْمُكْرَى دَفْعُ الْكِرَاءِ إِذَا أُطْلِقَ الْعَقْدُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ قَبْضَ الثَّمَنِ؟ فَعِنْدَ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الثَّمَنَ إِنَّمَا يَلْزَمُ جُزْءًا فَجُزْءًا بِحَسَبِ مَا يَقْبِضُ مِنَ الْمَنَافِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ هُنَالِكَ مَا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا مُعَيَّنًا أَوْ يَكُونَ كِرَاءً فِي الذِّمَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ.

فَمَالِكٌ رَأَى أَنَّ الثَّمَنَ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُقْبَضُ مِنَ الْعِوَضِ; وَالشَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ تَأَخُّرَهُ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>