مُتَأَهِّلًا، لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَكُونُ الزَّوْجَةُ الْأُولَى مَانِعَةً مِنَ الْعَنَتِ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى حُرَّةٍ تَمْنَعُهُ مِنَ الْعَنَتِ، فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً، لِأَنَّ حَالَهُ مَعَ هَذِهِ الْحُرَّةِ فِي خَوْفِ الْعَنَتِ كَحَالِهِ قَبْلَهَا، وَبِخَاصَّةٍ إِذَا خَشِيَ الْعَنَتَ مِنَ الْأَمَةِ الَّتِي يُرِيدُ نِكَاحَهَا. وَهَذَا بِعَيْنِهِ السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ يَنْكِحُ أَمَةً ثَانِيَةً عَلَى الْأَمَةِ الْأُولَى أَوْ لَا يَنْكِحُهَا؟ وَذَلِكَ أَنَّ مَنِ اعْتَبَرَ خَوْفَ الْعَنَتِ مَعَ كَوْنِهِ عَزَبًا إِذْ كَانَ الْخَوْفُ عَلَى الْعَزْبِ أَكْثَرَ قَالَ: لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنْ أَمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَنِ اعْتَبَرَهُ مُطْلَقًا قَالَ: يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنْ أَمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ إِنَّهُ يَنْكِحُ عَلَى الْحُرَّةِ. وَاعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ. وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى الْحُرَّةِ أَمَةً، فَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَهَلْ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْبَقَاءِ مَعَهُ، أَوْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ؟ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا وَجَدَ طَوْلًا بِحُرَّةٍ: هَلْ يُفَارِقُ الْأَمَةَ أَمْ لَا؟ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَ عَنْهُ خَوْفُ الْعَنَتِ أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا - أَعْنِي: أَصْحَابَ مَالِكٍ -. وَاتَّفَقُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ مَنْ مَلَكَتْهُ وَأَنَّهَا إِذَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ.
[الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِي مَانِعِ الْكُفْرِ]
- وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الْوَثَنِيَّةَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] . وَاخْتَلَفُوا فِي نِكَاحِهَا بِالْمِلْكِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الْكِتَابِيَّةَ الْحُرَّةَ، إِلَّا مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَاخْتَلَفُوا فِي إِحْلَالِ الْكِتَابِيَّةِ الْأَمَةِ بِالنِّكَاحِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى إِحْلَالِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي نِكَاحِ الْوَثَنِيَّاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، مُعَارَضَةُ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] وَعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١] لِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] وَهُنَّ الْمَسْبِيَّاتُ، وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُشْرِكَةً أَوْ كِتَابِيَّةً، وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهَا.
وَبِالْجَوَازِ قَالَ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ، وَمِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ مَا رُوِيَ مِنْ نِكَاحِ الْمَسْبِيَّاتِ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسَ إِذِ اسْتَأْذَنُوهُ فِي الْعَزْلِ فَأَذِنَ لَهُمْ. وَإِنَّمَا صَارَ الْجُمْهُورُ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ الْأَحْرَارِ بِالْعَقْدِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بِنَاءُ الْخُصُوصِ عَلَى الْعُمُومِ، أَعْنِي: أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: ٥] هُوَ خُصُوصٌ، وَقَوْلَهُ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١] هُوَ عُمُومٌ، فَاسْتَثْنَى الْجُمْهُورُ الْخُصُوصَ مِنَ الْعُمُومِ. وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ جَعَلَ الْعَامَّ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي إِحْلَالِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِالنِّكَاحِ لِمُعَارَضَةِ الْعُمُومِ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسَ، وَذَلِكَ أَنَّ قِيَاسَهَا عَلَى الْحُرَّةِ يَقْتَضِي إِبَاحَةَ تَزْوِيجِهَا، وَبَاقِي الْعُمُومِ إِذَا اسْتُثْنِيَ مِنْهُ الْحُرَّةُ يُعَارِضُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعُمُومَ إِذَا خُصِّصَ بَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الْعُمُومِ، فَمَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute