وَأَمَّا تَارِكُهَا عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ آثِمٌ، وَأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي وَأَنَّهُ آثِمٌ، وَأَحَدُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: اخْتِلَافُهُمْ فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي جَوَازِ الْقِيَاسِ فِي الشَّرْعِ. وَالثَّانِي: فِي قِيَاسِ الْعَامِدِ عَلَى النَّاسِي إِذَا سُلِّمَ جَوَازُ الْقِيَاسِ. فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى النَّاسِي الَّذِي قَدْ عَذَرَهُ الشَّرْعُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، فَالْمُتَعَمِّدُ أَحْرَى أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ - أَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّ النَّاسِيَ وَالْعَامِدَ ضِدَّانِ وَالْأَضْدَادُ لَا يُقَاسُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ إِذْ أَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَإِنَّمَا تُقَاسُ الْأَشْبَاهُ، لَمْ يُجِزْ قِيَاسَ الْعَامِدِ عَلَى النَّاسِي، وَالْحَقُّ فِي هَذَا أَنَّهُ إِذَا جُعِلَ الْوُجُوبُ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ كَانَ الْقِيَاسُ سَائِغًا. وَأَمَّا إِنْ جُعِلَ مِنْ بَابِ الرِّفْقِ بِالنَّاسِي وَالْعُذْرِ لَهُ وَأَنْ يَفُوتَهُ ذَلِكَ الْخَيْرُ، فَالْعَامِدُ فِي هَذَا ضِدُّ النَّاسِي، وَالْقِيَاسُ غَيْرُ سَائِغٍ ; لِأَنَّ النَّاسِيَ مَعْذُورٌ وَالْعَامِدَ غَيْرُ مَعْذُورٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ بِأَمْرِ الْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ عَلَى مَا قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ فَاتَهُ أَحَدُ شُرُوطِ التَّمَكُّنِ مِنْ وُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَى صِحَّتِهِ، (وَهُوَ الْوَقْتُ) إِذْ كَانَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، وَالتَّأْخِيرُ عَنِ الْوَقْتِ فِي قِيَاسِ التَّقْدِيمِ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ بِالنَّاسِي وَالنَّائِمِ وَتَرَدَّدَ الْعَامِدُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ شَبِيهًا أَوْ غَيْرَ شَبِيهٍ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلْحَقِّ، وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَإِنَّ قَوْمًا أَسْقَطُوا عَنْهُ الْقَضَاءَ فِيمَا ذَهَبَ وَقْتُهُ، وَقَوْمٌ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنِ اشْتَرَطَ الْقَضَاءَ فِي عَدَدٍ مَعْلُومٍ، وَقَالُوا: يَقْضِي فِي الْخَمْسِ فَمَا دُونَهَا.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: تَرَدُّدُهُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ، فَمَنْ شَبَّهَهُ بِالنَّائِمِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِالْمَجْنُونِ أَسْقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبَ.
[صِفَةُ قَضَاءِ الصلاة]
[قَضَاءُ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ]
وَأَمَّا صِفَةُ الْقَضَاءِ: فَإِنَّ الْقَضَاءَ نَوْعَانِ: قَضَاءٌ لِجُمْلَةِ الصَّلَاةِ، وَقَضَاءٌ لِبَعْضِهَا.
; أَمَّا قَضَاءُ الْجُمْلَةِ فَالنَّظَرُ فِيهِ فِي صِفَةِ الْقَضَاءِ وَشُرُوطِهِ وَوَقْتِهِ.
فَأَمَّا صِفَةُ الْقَضَاءِ: فَهِيَ بِعَيْنِهَا صِفَةُ الْأَدَاءِ إِذَا كَانَتِ الصَّلَاتَانِ فِي صِفَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْفَرْضِيَّةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ فِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ مِثْلَ أَنْ يَذْكُرَ صَلَاةً حَضَرِيَّةً فِي سَفَرٍ أَوْ صَلَاةً سَفَرِيَّةً فِي حَضَرٍ، فَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقَوْمٌ قَالُوا: إِنَّمَا يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي عَلَيْهِ، وَلَمْ يُرَاعُوا الْوَقْتَ الْحَاضِرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكِ وَأَصْحَابِهِ، وَقَوْمٌ قَالُوا: إِنَّمَا يَقْضِي أَبَدًا أَرْبَعًا سَفَرِيَّةً كَانَتِ الْمَنْسِيَّةُ أَوْ حَضَرِيَّةً، فَعَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ إِنْ ذَكَرَ فِي السَّفَرِ حَضَرِيَّةً صَلَّاهَا حَضَرِيَّةً، وَإِنْ ذَكَرَ فِي الْحَضَرِ سَفَرِيَّةً صَلَّاهَا حَضَرِيَّةً وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّمَا يَقْضِي أَبَدًا فَرْضَ الْحَالِ الَّتِي هُوَ فِيهَا فَيَقْضِي الْحَضَرِيَّةَ فِي السَّفَرِ سَفَرِيَّةً، وَالسَّفَرِيَّةَ فِي الْحَضَرِ حَضَرِيَّةً، فَمَنْ شَبَّهَ الْقَضَاءَ بِالْأَدَاءِ رَاعَى الْحَالَ الْحَاضِرَةَ وَجَعَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute