وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ: حَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهَا أَمَرَتْ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ مَاتَ لِتَدْعُوَ لَهُ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ، «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَهْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ» .
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ» . وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ثَابِتٌ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَوْ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَى ثُبُوتِهِ، لَكِنَّ إِنْكَارَ الصَّحَابَةِ عَلَى عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى اشْتِهَارِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ بُرُوزُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُصَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّ مَيِّتَ بَنِي آدَمَ مَيْتَةٌ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، لِأَنَّ حُكْمَ الْمَيْتَةِ شَرْعِيٌّ، وَلَا يَثْبُتُ لِابْنِ آدَمَ حُكْمُ الْمَيْتَةِ إِلَّا بِدَلِيلٍ.
وَكَرِهَ بَعْضُهُمُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَقَابِرِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَأَجَازَهَا الْأَكْثَرُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» .
[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]
وَاتَّفَقَ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةَ، كَمَا اتَّفَقَ جَمِيعُهُمْ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْقِبْلَةَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ لَهَا إِذَا خِيفَ فَوَاتُهَا، فَقَالَ قَوْمٌ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي لَهَا إِذَا خَافَ الْفَوَاتَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا بِتَيَمُّمٍ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فَمَنْ شَبَّهَهَا بِهَا أَجَازَ التَّيَمُّمَ - أَعْنِي: مَنْ شَبَّهَ ذَهَابَ الْوَقْتِ بِفَوَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ - وَمَنْ لَمْ يُشَبِّهْهَا بِهَا لَمْ يُجِزِ التَّيَمُّمَ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، أَوْ مِنْ سُنَنِ الْكِفَايَةِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّي عَلَى الْجَنَازَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ اسْمَ الصَّلَاةِ لَا يَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الْجَنَازَةِ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الدُّعَاءِ إِذْ كَانَ لَيْسَ فِيهَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute