مُشَارِكُونَ لَهُ فِي الْأُمِّ. فَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي أَكْثَرِ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ هُوَ تَعَارُضُ الْمَقَايِيسِ وَاشْتِرَاكُ الْأَلْفَاظِ فِيمَا فِيهِ نَصٌّ.
[مِيرَاثُ الْجَدِّ]
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَبَ يَحْجُبُ الْجَدَّ وَأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ مَعَ الْبَنِينَ، وَأَنَّهُ عَاصِبٌ مَعَ ذَوِي الْفَرَائِضِ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ الشَّقَائِقِ، أَوْ حَجْبِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ؟ فَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَحْجُبُهُمْ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيُّ، وَابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَدَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ. وَاتَّفَقَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجِدِّ، إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ عَلَى مَا أَقُولُهُ بَعْدُ.
وَعُمْدَةُ مَنْ جَعَلَ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ اتِّفَاقُهُمَا فِي الْمَعْنَى: أَعْنِي مِنْ قِبَلِ أَنَّ كِلَيْهِمَا أَبٌ لِلْمَيِّتِ وَمِنِ اتِّفَاقِهِمَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي أَجْمَعُوا عَلَى اتِّفَاقِهِمَا فِيهَا حَتَّى إِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: أَمَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا، وَلَا يَجْعَلُ أَبَ الْأَبِ أَبًا. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي أَحْكَامٍ أُخَرَ سِوَى الْفُرُوضِ، مِنْهَا أَنَّ شَهَادَتَهُ لِحَفِيدِهِ كَشَهَادَةِ الْأَبِ وَأَنَّ الْجَدَّ يَعْتِقُ عَلَى حَفِيدِهِ كَمَا يَعْتِقُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ، وَأَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ جَدٍّ كَمَا لَا يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ أَبٍ.
وَعُمْدَةُ مَنْ وَرَّثَ الْأَخَ مَعَ الْجَدِّ أَنَّ الْأَخَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَيِّتِ مِنَ الْجَدِّ ; لِأَنَّ الْجَدَّ أَبُو أَبِي الْمَيِّتِ، وَالْأَخَ ابْنُ أَبِي الْمَيِّتِ، وَالِابْنُ أَقْرَبُ مِنَ الْأَبِ. وَأَيْضًا فَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ ابْنَ الْأَخِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ، وَهُوَ يُدْلِي بِالْأَبِ، وَالْعَمُّ يُدْلِي بِالْجَدِّ.
فَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا الْبَابِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّ الْقِيَاسَيْنِ أَرْجَحُ بِحَسَبِ النَّظَرِ الشَّرْعِيِّ؟ قُلْنَا: قِيَاسُ مَنْ سَاوَى بَيْنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَإِنَّ الْجَدَّ أَبٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ، كَمَا أَنَّ ابْنَ الِابْنِ ابْنٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ، وَإِذَا لَمْ يَحْجُبِ الِابْنُ الْجَدَّ وَهُوَ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ، فَالْجَدُّ يَجِبُ أَنْ يَحْجُبَ مَنْ يَحْجُبُ الِابْنُ، وَالْأَخُ لَيْسَ بِأَصْلٍ لِلْمَيِّتِ وَلَا فَرْعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ أَحَقُّ بِالشَّيْءِ مِنَ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الْأَصْلِ، وَالْجَدُّ لَيْسَ هُوَ أَصْلًا لِلْمَيِّتِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ بَلْ هُوَ أَصْلُ أَصْلِهِ، وَالْأَخُ يَرِثُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ فَرْعٌ لِأَصْلِ الْمَيِّتِ، فَالَّذِي هُوَ أَصْلٌ لِأَصْلِهِ أَوْلَى مِنَ الَّذِي هُوَ فَرْعٌ لِأَصْلِهِ، وَلِذَلِكَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَخَ يُدْلِي بِالْبُنُوَّةِ، وَالْجَدَّ يُدْلِي بِالْأُبُوَّةِ، فَإِنَّ الْأَخَ لَيْسَ ابْنًا لِلْمَيِّتِ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ أَبِيهِ، وَالْجَدُّ أَبُو الْمَيِّتِ، وَالْبُنُوَّةُ إِنَّمَا هِيَ أَقْوَى فِي الْمِيرَاثِ مِنَ الْأُبُوَّةِ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ أَعْنِي: الْمَوْرُوثَ.
وَأَمَّا الْبُنُوَّةُ الَّتِي تَكُونُ لِأَبٍ مَوْرُوثٍ، فَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ فِي حَقِّ الْمَوْرُوثِ أَقْوَى مِنَ الْأُبُوَّةِ الَّتِي تَكُونُ لِأَبِ الْمَوْرُوثِ ; لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ الَّتِي لِأَبِ الْمَوْرُوثِ هِيَ أُبُوَّةُ مَا لِلْمَوْرُوثِ أَعْنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute