وَقَدْ رَامَ أَهْلُ الظَّاهِرِ أَنْ يُجِيزُوا إِمَامَةَ الْفَاسِقِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ» قَالُوا: فَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ ذَلِكَ فَاسِقًا مِنْ غَيْرِ فَاسِقٍ، وَالِاحْتِجَاجُ بِالْعُمُومِ فِي غَيْرِ الْمَقْصُودِ ضَعِيفٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِسْقُهُ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، أَوْ فِي أُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنِ الصَّلَاةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُقُوعُ صَلَاتِهِ صَحِيحَةً.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ اخْتَلَفُوا فِي إِمَامَةِ الْمَرْأَةِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الرِّجَالَ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِمَامَتِهَا النِّسَاءَ، فَأَجَازَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَمَنَعَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَشَذَّ أَبُو ثَوْرٍ، وَالطَّبَرِيُّ، فَأَجَازَا إِمَامَتَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهَا أَنْ تَؤُمَّ الرِّجَالَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا لَنُقِلَ ذَلِكَ عَنِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا لَمَّا كَانَتْ سُنَّتُهُنَّ فِي الصَّلَاةِ التَّأْخِيرَ عَنِ الرِّجَالِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ يَجُوزُ لَهُنَّ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِمْ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخِّرُوهُنَّ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» ، وَلِذَلِكَ أَجَازَ بَعْضُهُمْ إِمَامَتَهَا النِّسَاءَ إِذْ كُنَّ مُتَسَاوِيَاتٍ فِي الْمَرْتَبَةِ فِي الصَّلَاةِ، مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَمَنْ أَجَازَ إِمَامَتَهَا، فَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ وَرَقَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَزُورُهَا فِي بَيْتِهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا» وَفِي هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ أَعْنِي: اخْتِلَافِهِمْ فِي الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْإِمَامِ تَرَكْنَا ذِكْرَهَا لِكَوْنِهَا مَسْكُوتًا عَنْهَا فِي الشَّرْعِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَصْدُنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ الْمَسَائِلِ الْمَسْمُوعَةِ أَوْ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ قَرِيبٌ بِالْمَسْمُوعِ.
[أَحْكَامُ الْإِمَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ]
وَأَمَّا أَحْكَامُ الْإِمَامِ الْخَاصَّةُ بِهِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أَرْبَع مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِالسَّمْعِ: إِحْدَاهَا: هَلْ يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ؟ أَمِ الْمَأْمُومُ هُوَ الَّذِي يُؤَمِّنُ فَقَطْ. وَالثَّانِيَةُ: مَتَى يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ؟ وَالثَّالِثَةُ: إِذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ هَلْ يُفْتَحُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالرَّابِعَةُ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُ أَرْفَعَ مِنْ مَوْضِعِ الْمَأْمُومِينَ. فَأَمَّا هَلْ يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْكِتَابِ، فَإِنَّ مَالِكًا ذَهَبَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ، وَالْمِصْرِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُؤَمِّنُ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُؤَمِّنُ كَالْمَأْمُومِ سَوَاءً، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute