وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - وَهِيَ هَلْ تَجِبُ فِي صِغَارِ الْإِبِلِ، وَإِنْ وَجَبَتْ فَمَاذَا يُكَلَّفُ؟ - فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَقَوْمٌ قَالُوا: لَا تَجِبُ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ يَتَنَاوَلُ اسْمُ الْجِنْسِ الصِّغَارَ أَوْ لَا يَتَنَاوَلُهُ؟ وَالَّذِينَ قَالُوا: لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَقَدِ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ سُوِيدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَتَانَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَأَتَيْتُهُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ فِي عَهْدِي أَنْ لَا آخُذَ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ، وَلَا أَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا نُفَرِّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، قَالَ: وَأَتَاهُ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ كَوْمَاءَ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا.
وَالَّذِينَ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِيهَا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُكَلَّفُ شِرَاءَ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِم، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَأْخُذُ مِنْهَا، وَهُوَ الْأَقْيَسُ.
وَبِنَحْوِ هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتَلَفُوا فِي صِغَارِ الْبَقَرِ وَسِخَالِ الْغَنَمِ.
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]
َ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنْ فِي ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعًا، وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي كُلِّ عِشْرِينَ مِنَ الْبَقَرِ شَاةٌ إِلَى ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ. وَقِيلَ: إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بَقَرَتَانِ، إِذَا جَاوَزَتْ ذَلِكَ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ، وَهَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالسِتِّينَ: فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَنْ لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ حَتَّى تَبْلُغَ السِّتِّينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ إِلَى سَبْعِينَ، فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ إِلَى ثَمَانِينَ، فَفِيهَا مُسِنَّتَانِ إِلَى تِسْعِينَ، فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ إِلَى مِائَةٍ، فَفِيهَا تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٍ، ثُمَّ هَكَذَا مَا زَادَ، فَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي النِّصَابِ: أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُخَرِّجْهُ الشَّيْخَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute